وأما لم جعلت لام التعريف في أول الاسم دون آخره؟
فالجواب عن ذلك من وجهين :
أحدهما : ـ وهو اللطيف القوي ـ أنهم إنما خصوا لام التعريف بأول الاسم دون آخره من قبل أنهم صانوه ، وشحّوا عليه لحاجتهم إليه ، فجعلوه في موضع لا يضف فيه حرف صحيح البتة ، واللام حرف صحيح ، وذلك الموضع هو أول الكلمة ، ولما كان آخر الكلمة ضعيفا قابلا للتغيير في الوقف وغيره ، وقد يحذف فيه أيضا ما هو من أنفس الكلم نحو قولهم في الترخيم : يا حار ، ويا منص (١) ، وغير ذلك ، كرهوا أن يجعلوا اللام في آخر الاسم ، فيتطرّق عليها الحذف في بعض الأحوال مع قوة حاجتهم إليها وشدة عنايتهم بها ، فحصّنوها ، واحتاطوا عليها بأن وضعوها في أول الاسم لتبعد عن الحذف والاعتلال ، فهذا هو الجواب القوي الحسن اللطيف.
والجواب الآخر : أنها حرف زائد لمعنى ، وحروف المعاني في غالب الأمر إنما مواقعها في أوائل الكلم لا سيما وهي لام ، فأجريت مجرى لام الابتداء ، ولام الإضافة ، ولام الأمر ، ولام القسم ، وغير ذلك ، فقدّمت كما قدّمن.
والقول الأول هو الوجه ، وهذا الثاني لا بأس به.
قد أتينا على أحكام لام التعريف كيف حالها في نفسها ، وأثبتنا من الحجاج في ذلك ما هو مقنع كاف ، وبقي علينا أن نذكر مواقعها في الكلام ، وعلى كم قسما تتنوع فيه.
اعلم أن لام التعريف تقع من الكلام في أربعة مواضع ، وهي : تعريف الواحد بعهد ، وتعريف الواحد بغير عهد ، وتعريف الجنس ، وزائدة.
الأول : نحو قولك لمن كنت معه في ذكر رجل : قد وافى الرجل ، أي : الرجل الذي كنا في حديثه وذكره.
الثاني : قولك لمن لم تره قط ولا ذكرته : يا أيّها الرجل أقبل ، فهذا تعريف لم يتقدمه ذكر ولا عهد.
__________________
(١) هما ترخيم : حارث ومنصور.