الحرام بمكة ، ويقال : مكتوب في أسفل المقام : أنا الله ذو بكة حرمتها يوم خلقت السموات والأرض ، وحففتها بسبعة أملاك. ثم ما أعلم من بلدة على وجه الأرض أن أحدا يمشي فيكون في مشيه ذلك تكفير الخطايا ، وتحاتّ الذنوب كما تتحاتّ ورق الشجر اليابس إلا بمكة ، وهو بين الركن اليماني والأسود. ويقال : إنّ الركن يمين الله في أرضه يصافح به عباده ، والركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة ، يشهدان لمن وافاهما بالوفاء. وقال : إنّ الله ـ تعالى ـ يباهي بالطائفين. ويقال : ما من عمل أفضل من حج مبرور ، فإياك يا أخي أن تبرح من مكة ، فلو أنه يدخل عليك كل يوم من كسب حلال [فلسان](١) في حرم الله خير من أن تجد بغيره الفين فيضا من غيض.
واعلم أنّ السعيد من سعد بقضاء الله ، والشقيّ من شقي بقضاء الله ، والأعمال بالخواتيم ، وعليك بتقوى الله في السر والعلانية ، والزم بيتك / واشتغل بنفسك ، واستأنس بآيات الله ـ تعالى ـ والسلام عليك ورحمة الله.
وقال بعض أهل مكة : ان داود بن (٢) عيسى لما ولي مكة والمدينة ، أقام بمكة زمانا طويلا قاطنا مقيما بها ، لزمها عشرين شهرا أو نحوه ، واستخلف ابنه سليمان بن داود على المدينة ، فكتب إليه أهل المدينة.
وقال الزبير بن أبي بكر : كتب إليه يحيى بن مسكين بن أيوب بن مخراق يسأله التحوّل إليهم ، ويعلمونه أن مقامه بالمدينة أفضل من مقامه بمكة ، وأهدوا إليه في ذلك شعرا قاله شاعر لهم ، يقول فيه :
__________________
(١) في الأصل (فلسين).
(٢) داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، أمير مكة والمدينة. أنظر ترجمته في العقد الثمين ٤ / ٣٥٧.