مذهب الكوفيين وبعض البصريين جواز تنكير عطف البيان مع متبوعه وهو اختيار الناظم ولذلك قال : فقد يكونان منكرين ، وفهم من قوله قد أن ذلك قليل بالنسبة إلى تعريفهما ، ومما استشهد به على ذلك قوله عزوجل : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (٣١) حَدائِقَ وَأَعْناباً) [النبأ : ٣١ ـ ٣٢] وما فى قوله ما من وفاق مفعول ثان لأولينه وهى موصولة والنعت مبتدأ خبره ولى والجملة صلة ما ومن وفاق متعلق بولى والضمير العائد من الصلة إلى الموصول محذوف تقديره وليه والضمير المستتر فى ولى عائد على النعت ومن وفاق الأول متعلق بأولينه والتقدير فأولينه من وفاق الأول الذى النعت وليه من وفاق الأول ، ثم قال :
(وصالحا لبدليّة يرى) يعنى أن عطف البيان يصلح أن يجعل بدلا وذلك مطرد إلا فى موضعين نبه على الأول منهما بقوله : (فى غير نحو يا غلام يعمرا) يعنى أن هذا المثال وأشباهه يتعين أن يكون التابع فيها عطف بيان فيا غلام منادى مبنى على الضم ويعمرا عطف بيان ولا يجوز أن يكون بدلا لأن البدل على نية تكرار العامل فيلزم ضمه إذا جعل بدلا ، ونبه على الثانى بقوله : (ونحو بشر تابع البكرىّ) يشير بذلك إلى قول الشاعر :
١٤٦ ـ أنا ابن التارك البكرىّ بشر |
|
عليه الطير ترقبه وقوعا |
فبشر عطف بيان ولا يجوز أن يكون بدلا لأن البدل على نية تكرار العامل والعامل التارك وهو مضاف إلى البكرى فلو كرر العامل مع بشر لما كان بشر نعتا للبكرى ولأدّى إلى إضافة ما فيه أل إلى المجرد منها وهو ممتنع وعلى ذلك نبه بقوله : (وليس أن يبدل بالمرضىّ) وصالحا مفعول ثان ليرى وفى يرى ضمير مستتر يعود على عطف البيان وهو المفعول الأول ولبدلية متعلق بصالح وفى غير متعلق بيرى ونحو بشر معطوف على نحو الأول وتابع منصوب على الحال من بشر ويجوز جره نعتا لبشر ويقصد حينئذ بالإضافة المحضة وهو أظهر وأن يبدل اسم ليس والباء زائدة فى خبرها.
__________________
(١٤٦) البيت من الوافر ، وهو للمرار الأسدى فى ديوانه ص ٤٦٥ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٨٤ ، ٥ / ١٨٣ ، ٢٢٥ ، والدرر ٦ / ٢٧ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٦ ، وشرح التصريح ٢ / ١٣٣ ، وشرح المفصل ٣ / ٧٢ ، ٧٣ ، والكتاب ١ / ١٨٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٢١ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ٤٤١ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٥١ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤١٤ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٢٠ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٩١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٥٤ ، ٥٩٧ ، وشرح قطر الندى ص ٢٩٩ ، والمقرب ١ / ٢٤٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٢.
والشاهد فيه قوله : «التارك البكرى بشر» فإن قوله : «بشر» عطف بيان على قوله : «البكرىّ» ، ولا يجوز أن يكون بدلا ، لأن البدل على نية تكرار العامل ، فكان ينبغى لكىّ يصح أن يكون بدلا أن يحذف المبدل منه ويوضع البدل مكانه ، فنقول : «التارك بشر» ويلزم على هذا إضافة اسم مقترن ب «أل» إلى اسم خال منها ، وذلك غير جائز.