وعبد الملك بن شبيب الغساني من أهل الشام ، فزيد في المسجد من جهة الشام إلى منتهاه اليوم ، وكانت زيادته مائة ذراع ولم يزد فيه من الشرق ولا الغرب ولا القبلة شيئا ، ثم خفض المقصورة وكانت مرتفعة ذراعين من الأرض ، فوضعها في الأرض على حالها اليوم ، وسد على آل عمر خوختهم التي في دار حفصة حتى كثر الكلام فيها ، ثم صالحهم على أن خفض المقصورة وزاد في المسجد تلك الخوخة ثلاث درجات وحفرت الخوخة حتى صارت تحت أرض المقصورة ، وجعل عليها في جدار القبلة شباك ، فهو عليها اليوم.
وكان المهدي قبل بنائه المسجد قد أمر به ، فقدر ما حوله من الدور فابتيع ، وكان مما أدخل فيه من الدور ، دار عبد الرحمن بن عوف التي يقال لها : دار مليكة ، ودار شرحبيل بن حسنة ، وبقية دار عبد الله بن مسعود التي يقال لها دار القرّاء ، ودار المسور بن مخرمة الزهري ، وفرغ من بنيان المسجد سنة خمس وستين ومائة.
قالوا : وكتب على أثر الكتاب الذي كتبه عمر بن عبد العزيز في صحن المسجد ما نسخته : «أمر عبد الله المهدي أمير المؤمنين ، أكرمه الله وأعز نصره ، بالزيادة في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإحكام عمله ابتغاء وجه الله عزوجل والدار الآخرة ، أحسن الله ثوابه بأحسن الثواب والتوسعة لمن صلّى فيه من أهله وأبنائه من جميع المسلمين ، فأعظم الله أجر أمير المؤمنين فيما نوى من حسنته في ذلك وأحسن ثوابه ، بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم كتب «أم القرآن» كلها ، ثم كتب على أثرها (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ) [التوبة : ١٨] ، ثم كتب : وكان مبتدأ ما أمر به عبد الله المهدي محمد أمير المؤمنين أكرمه الله من الزيادة في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سنة اثنتين وستين ومائة ، وفرغ منه سنة خمس وستين ومائة ، فأمير المؤمنين أصلحه الله يحمد الله على ما أذن له واختصه به من عمارة مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتوسعته حمدا كثيرا ، والحمد رب العالمين على كل حال».
قالوا : وعرض منقبة جداري المسجد مما يلي المغرب ينقصان شيئا ، وعرض منقبته مما يلي المشرق ذراعان وأربع أصابع ، وإنما زيد فيها لأنها من ناحية السيل ، وفي صحن المسجد أربع وستون بلاعة لماء المطر ، عليها أرحاء ، ولها صمائم من حجارة يدخل الماء من أنقابها.