فنظرت في وجهه فإذا بصره قد شخص ، وهو يقول : «بل الرفيق الأعلى في الجنة» وقبض صلىاللهعليهوسلم.
قالت : فوضعت رأسه على وسادتي ، وقمت التدم مع النساء أضرب وجهي.
وقالت فاطمة رضياللهعنها تندبه صلىاللهعليهوسلم : يا أبتاه ؛ أجاب ربّا دعاه ، يا أبتاه ؛ في جنة الفردوس مأواه ، يا أبتاه ؛ إلى جبريل ننعاه (١).
وقال جبريل عليهالسلام للنبي صلىاللهعليهوسلم عند موته : يا أحمد هذا آخر وطئي في الأرض ولا أنزل إليها أبدا بعد ، إنما كنت حاجتي من الدنيا (٢).
وكانت وفاته صلىاللهعليهوسلم حين اشتد الضحى من يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول ، سنة إحدى عشرة مضت من الهجرة عن ثلاث وستين سنة من عمره ، وكمل بالمدينة من يوم دخلها إلى يوم مات عشر سنين كوامل مبلغا لرسالات الله مجاهدا لأعدائه.
ولما توفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم قام عمر بن الخطاب رضياللهعنه فقال : إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله قد توفي ، وإن رسول الله ما مات ، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى ، فإنه غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات ، وو الله ليرجعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنه قد مات!
قالوا : وأقبل أبو بكر على فرس من مسكنه بالسنح ، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة رضياللهعنها ، فيمم رسول الله وهو مسجّى بثوب حبرة ، فكشف عن وجهه ، ثم أكب عليه فقبله وبكى ، ثم قال : بأبي وأمي أنت ، والله لا يجمع الله عليك موتتين : أما الموتة التي كتبت عليك فقد متّها (٣) ثم لن يصيبك بعدها موتة أبدا. ثم رد البرد على وجهه ، وخرج وعمر بن الخطاب رضياللهعنه يكلم الناس ، فقال : على رسلك يا عمر أنصت ، فأبى إلا أن يتكلم ، فلما رآه أبو بكر
__________________
(١) المصدر السابق (٤٤٦٢) ، وابن ماجه ١ / ٥٢٢ (١٦٣٠).
(٢) رواه السهمي في «تاريخ جرجان».
(٣) أخرجه البخاري في «المغازي» ، باب مرض النبي صلىاللهعليهوسلم (٤٤٥٢).