فقال : ما لديك؟ قال : الذي تحب يا أمير المؤمنين ، أذنت ، فقال : الحمد لله ، ما كان أهمّ إليّ من ذلك ، فإذا أنا قبضت فاحملوني ، ثم سلّم وقل : يستأذن عمر بن الخطاب ، فإن أذنت لي فأدخلوني ، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين.
وجاءت أم المؤمنين حفصة رضياللهعنها والنساء معها ، فلما رأينها قمنا ، فولجت عليه فبكت عنده ساعة ، واستأذن الرجال فولجت داخلا لهم ، فسمعنا بكاءها من داخل ، فقالوا : أوص يا أمير المؤمنين ، استخلف ، قال : ما أجد أحدا أولى وأحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر ـ أو الرهط ـ الذين توفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو عنهم راض ، فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن بن عوف ، وقال : أشهد يا عبد الله بن عمر ليس لك من الأمر شيء ، وأوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين ، أن يعرف لهم حقهم ، ويحفظ لهم حرمتهم ، وأوصيه بالأنصار خيرا ، الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ، أن يقبل من محسنهم ، وأن يعفو عن مسيئهم ، وأوصيه بأهل الأمصار خيرا ، فإنهم ردء الإسلام وجباة المال وغيظ العدو ، ولا يأخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم ، وأوصيه بالأعراب خيرا ، فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام ، أن يأخذ من حواشي أموالهم ، ويرد على فقرائهم ، وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله صلىاللهعليهوسلم ، أن يوفي لهم بعهدهم ، وأن يقاتل من ورائهم ، ولا يكلفوا إلى طاقتهم.
فلما قبض رضياللهعنه ، خرجنا به فانطلقنا نمشي ، فسلم عبد الله بن عمر وقال : يستأذن عمر بن الخطاب ، قالت : أدخلوه ، فأدخل موضعا هناك مع صاحبيه» (١).
قلت : وباع عبد الله بن عمر دارا لعمر بن الخطاب ومالا له بالغابة ، ثم قضى دين أبيه ، وكانت وفاته رضياللهعنه يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة ، وكانت خلافته عشر سنين
__________________
(١) أخرجه البخاري في المناقب ، باب قصة البيعة (٣٧٠٠).