الجنائز سقط في زمان عمر بن عبد العزيز ، فظهرت القبور الشريفة ، فما رؤى بكاء في يوم مثل ذلك اليوم ، فأمر عمر بقباطي فخيطت ، ثم ستر الموضع بها ، وأمر ابن وردان أن يكشف عن الأساس ، فبينما هو يكشف إذ رفع يده وتنحى ، فقام عمر بن عبد العزيز فزعا ، فرأى قدمين وراء الأساس وعليهما الشعر ، فقال عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر وكان حاضرا : أيها الأمير لا يروعنك ، فهما قدما جدّي عمر بن الخطاب ضاق البيت عنه فحفر له في الأساس ، فقال : يا ابن وردان أن غطّ ما رأيت ، ففعل.
وروى البخاري في «الصحيح» من حديث هشام بن عروة عن أبيه قال : لما سقط عنهم الحائط في زمان الوليد بن عبد الملك أخذوا في بنيانه ، فبدت لهم قدم ، ففزعوا وظنوا أنها قدم النبي صلىاللهعليهوسلم ، فما وجدوا أحدا يعلم ذلك حتى قال لهم عروة : لا والله ما هي قدم النبي صلىاللهعليهوسلم ما هي إلا قدم عمر رضياللهعنه (١).
قالوا : وأمر عمر أبا حفصة مولى عائشة رضياللهعنها وناسا معه فبنوا الجدار ، وجعلوا فيه كوة ، فلما فرغوا منه ورفعوه ، دخل مزاحم مولى عمر فرفع ما سقط على القبر من التراب والطين ونزع القباطي. قالوا : وباب البيت الذي دفنوا فيه شامي.
قلت : وبنى عمر بن عبد العزيز على حجرة النبي صلىاللهعليهوسلم حاجزا من سقف المسجد إلى الأرض ، وصارت الحجرة في وسطه ، وهو على دورانها.
ولما ولي المتوكل الخلافة ، أمر إسحاق بن سلمة وكان على عمارة مكة والمدينة من قبله بأن يأزر الحجرة بالرخام من حولها ، ففعل ذلك وبقي الرخام عليها إلى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة من خلافة المقتفي ، فجدد تأزيرها جمال الدين وزير بني زنكي ، وجعل الرخام حولها قامة وبسطة ، وجعل لها شباكا من خشب الصندل والأبنوس ، وأداره حولها ما يلي السقف.
__________________
(١) أخرجه البخاري في الجنائز ، باب ما جاء في قبر النبي صلىاللهعليهوسلم (١٣٩٠).