وروى في «الصحيح» (١) أيضا من حديثها قالت : لما كانت ليلتي التي فيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم عندي ، انقلب فوضع رداءه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه ، وبسط طرف إزاره على فراشه واضطجع ، فلم يلبث إلا بقدر ما ظن أنني قد رقدت ، فأخذ رداءه وبدأ ، وفتح الباب رويدا فخرج ، ثم أجافه رويدا ، فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ، ثم انطلقت على أثره حتى جاء البقيع ، فقام فأطال القيام ، ثم رفع يده ثلاث مرات ، ثم انحرف فانحرفت ، فأسرع فأسرعت ، فهرول فهرولت ، فأحضر فأحضرت ، فسبقته فدخلت ، فليس إلا أن اضجعت فدخل فقال : مالك يا عائشة حشيا رابيا؟! قالت : لا شيء ، قال : لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير ، فأخبرته ، فقال : فأنت السواد الذي رأيت أمامي ، قلت : نعم ، فلهزني في صدري لهزة أوجعتني ، ثم قال : أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت : قلت : مهما يكتمه الناس يعلمه الله عزوجل قال : نعم ، قال : فإن جبريل أتاني حين رأيتني فناداني فأخفى منك ، فأجبته ، فأخفينا منك ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك ، وظننت أن قد رقدت وكرهت أن أوقظك ، وخشيت أن تستوحشي ، فقال : إن ربك يأمرك أن تأتي إلى أهل البقيع فتستغفر لهم ، قالت : قلت : كيف أقول يا رسول الله؟ قال : «قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» (٢).
واعلم أن أكثر الصحابة رضياللهعنهم مدفونون بالبقيع ، وكذلك جميع أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم سوى السيدة خديجة ، فإنها بمكة مدفونة والسيدة ميمونة رضياللهعنهما (٣).
وبالبقيع سادة من التابعين ومن بعدهم من الزهاد والعلماء والمشهورين إلا أن قبورهم لا تعرف في يومنا هذا ، فمن حضرها وسلم على من بها ، فقد أتى بالمقصود.
__________________
(١) المصدر السابق باب «ما يقال عند دخول القبور» (٩٧٤ / ١٠٢).
(٢) الباب السابق (٩٧٤ / ١٠٣).
(٣) قبر السيدة ميمونة بسرف (التنعيم) على يمين القادم من المدينة إلى مكة.