فسلط الله عليهم العرم وهو جرذ ، فنقب عليهم السد حتى دخل السيل عليهم فأهلكهم ، وتمزق من سلّم منهم في البلاد ، وكان السدّ فرسخا في فرسخ ، كان بناه لقمان الأكبر العادي ، بناه للدهر على زعمه ، وكان يجتمع إليه مياه أهل اليمن من مسيرة شهر.
قالوا : فكانوا في عيد لهم ، وكان فيهم هتام بن ربيعة بن عمرو بن عامر ، وكان كاهنا غيشوما فقالت له بنو عمرو : قل. قال : قولي لكم وعليكم! قالوا : نعم ، فقال :
يا رب من ورّث عاد |
|
اجعل مأرب بيننا فانعما |
صحا صحا غيرا وفجا اقتما |
|
منها لأن الركب فيها أظلما |
فأوحش عليه الليل أزرما |
فكان تمزيقهم.
ويروى أن طريفة بنت ربيعة الكاهنة ، امرأة عمرو بن عامر بن ثعلبة ابن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث قالت له : إني أتيت في المنام فقيل لي : ربّ أمر ذاب ، شديد الذهاب ، بعيد الإياب ، من واد إلى واد ، وبلاد إلى بلاد ، كدأب ثمود وعاد! ثم مكثت.
ثم قالت : أتيت الليلة فقيل لي : شيخ هرم ، وجعل لزم ، ورجل قرم ، ودهر ازم ، وشر لزم ، يا ويح أهل العرم.
ثم قالت : أتيت الليلة ، فقيل لي : يا طريفة لكل اجتماع فراق ، فلا رجوع ولا تلاق ، من أفق إلى آفاق.
ثم قالت : أتيت الليلة في النوم ، فقيل لي : ربّ إلب موالب ، وصامت وخاطب ، بعد هلاك مارب.
قالت : ثم أتيت في النوم ، فقيل لي : لكل شيء سبب ، الأغبش ذو الذنب (١) ، الأشعر الأزب ، فنقب بين المقر والقرب ، ليس من كأس ذهب.
فخرج عمرو وامرأته طريفة فدخلا العرم ، فإذا هما بجرذ يحفر في أصله ، ويقلب بيديه ورجليه الصخرة ما يقلبها خمسون رجلا.
__________________
(١) في الخطبة : «الأيمن ذو الربب» ، وفي المطبوعة «ب» : «إلا عين ذي الريب».