وبنى جداره لبنتين مختلفتين ، ثم اشتد عليهم الحرّ فقالوا : يا رسول الله ، لو أمرت بالمسجد فظلل ، قال : نعم ، فأمر به فأقيم له سواري من جذوع النخل شقة ثم شقة ، ثم طرحت عليها العوارض والخصف والإذخر ، وجعل وسطه رحبة ، فأصابتهم الأمطار فجعل المسجد يكف عليهم فقالوا : يا رسول الله ، لو أمرت بالمسجد يعمر فطين ، فقال لهم : «عريش كعريش موسى ثمام وخشيبات والأمر أعجل من ذلك».
فلم يزل كذلك حتى قبض صلىاللهعليهوسلم.
ويقال : إن عريش موسى عليهالسلام كان إذا قام أصاب رأسه السقف.
قال أهل السير : بنى النبي صلىاللهعليهوسلم مسجده مرتين ، بناه حين قدم أقل من مائة في مائة ، فلما فتح الله عليه خيبر ، بناه وزاد عليه في الدور مثله ، وصلّى النبي صلىاللهعليهوسلم فيه متوجها إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا ، ثم أمر بالتحول إلى الكعبة ، فأقام رهطا على زوايا المسجد ليعدل القبلة ، فأتاه جبريل عليهالسلام فقال : يا رسول الله ، ضع القبلة وأنت تنظر إلى الكعبة ، ثم قال بيده هكذا ، فأماط كل جبل بينه وبينهما ، فوضع القبلة وهو ينظر إلى الكعبة لا يحول دون نظره شيء ، فلما فرغ قال جبريل هكذا ، فأعاد الجبال والشجر والأشياء على حالها وصارت قبلته إلى الميزاب.
أخبرنا أبو القاسم المظفري والأزجي في كتابيهما عن أبي علي الأصفهاني ، عن أبي نعيم الحافظ ، عن أبي محمد الخلدي ، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن ، حدّثنا الزبير بن بكار ، حدّثنا محمد بن الحسن بن زبالة ، حدثني عبد العزيز بن أبي حازم ، عن هشام بن سعد بن أبي هلال ، عن أبي هريرة رضياللهعنه قال : كانت قبلة النبي صلىاللهعليهوسلم الشام ، وكان مصلاه الذي يصلي فيه بالناس إلى الشام من مسجده موضع الأسطوانة المخلقة اليوم خلف ظهرك ، ثم تمشي إلى الشام ، حتى إذا كنت بيمنى باب آل عثمان ، كانت قبلته في ذلك الموضع (١).
__________________
(١) الأسطوانة المخلقة هي اليوم الملاصقة لمحراب النبي صلىاللهعليهوسلم على يمين المصلي في هذا المحراب أمامه.