ليس بها أحد أفضل طاعة ولا أبعد صيتا ولا أرضى عند الناس من إبراهيم ، ثم صدق فولى قيامه بطاعتك» قال : «أصبت وأرجوا أن أكون قد رميتها بحجرها ، اكتبوا له عهده على إفريقية. فلما وصل الكتاب إلى يحيى بن زياد صاحب البريد ، انطلق إلى إبراهيم بن الأغلب ، فقال إنى أريد أن أدخل عليك ولا يكون عندك أحد. فأخرج من كان عنده ، فدخل عليه فسلم بالأمرة ودفع إليه عهده. فأرسل إبراهيم إلى ابن العكى : «اقم ما شئت حتى تتجهز» ، فأقام أياما ثم رحل إلى طرابلس. فوافاه حماد السعودى بكتابين قدم بهما إلى ثغر إفريقية حسبما كانت تجرى به إلى أصحاب الثغور ، فافترى ابن العكى كتابا ثالثا بعزل إبراهيم وبعث به مع الكتابين إلى القيروان فلما قرأ الكتاب على الناس مع الكتابين اجتمع الناس إلى إبراهيم ، فقالوا : «أقم ـ أصلح الله الأمير ـ بمكانك ، واكتب إلى أمير المؤمنين فإن ابن العكى اختلق هذا الكتاب زورا ولم يكافئك على نصرتك له وحقنك دمه» فقال إبراهيم : «والله لقد ظننت ظنكم وهممت أن أسير إليه حتى أطعمه هذه الكتب ، وإنما اجترأ ابن العكى على ثغرنا لموضعه من جعفر بن يحيى».
ثم عسكر إبراهيم يريد الخروج إلى الزاب ، فأتى كتاب ابن العكى إلى سهل ابن حجاب يستحلفه إلى قدومه ، فكتب صاحب البريد بالخبر كله إلى هارون الرشيد ، فغضب وكتب إلى ابن العكى : «أما بعد فلم يكن آخر أمرك يشبهه إلا أوله فلأى مناقبك أو برك على إبراهيم بولاية الثغر ، أم لفرارك وإقدامه ، أو لجزعك وصبره ، أم لخلافك وطاعته. فإذا نظرت فى كتابى فأقدم غير محمود الفعال». وكتب إلى إبراهيم بتجديد ولايته ، فوصل الرسول بالكتاب إلى القيروان ، وإبراهيم بالزاب ، فمضى بالكتاب إليه فكانت ولايته الأخرى التى استقر بها ملكه وملك ولده لاثنتى عشرة ليلة مضت من جمادى الآخرة سنة أربع وثمانين ومائة. وقفل ابن العكى إلى المشرق.
فلما ولى إبراهيم انقمع الشر بإفريقية ، وضبط أمرها وأحسن إلى من بها من أهل الخير ، ثم ولى تمام طرابلس ، فلما استقر البلد وجه إليه جعفر بن سعيد وجوين بن السماك. فأخذ تماما وشده وثاقا وبعث به إلى هارون ، وبعث بعباس الطيفى وأبى الميل