ولاية هرثمة بن الأعين
وقدم هرثمة بن أعين القيروان مستهل ربيع الآخر سنة سبع وسبعين ومائة ، فأمن الناس وسكنهم وأحسن إليهم ، وهو الذى بنى القصر الكبير بالمنستير ، وذلك سنة ثمانين ومائة على يدى زكرياء بن قادم وبنى أيضا سور مدينة طرابلس مما يلى البحر ، وواتر الكتب إلى هارون الرشيد فى الاستعفاء من إفريقية ، لما رأى من الاختلاف بها وسوء طاعة أهلها ، فكتب إليه هارون بالقدوم إليه فرجع فى أول شهر رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة.
ذلك سبب موته وروى أنه لما حبس قال : «أما إنى كنت أمر بالسجن فما سألت ربى العافية منه».
وكان سبب عزل ابن العكى عن المغرب : أنه اقتطع من أرزاق الجند وأساء السيرة فيهم وفى الرعية ، وأن فلاحا القائد مشى فى أهل الشام وأهل خراسان ، فلم يزل بهم حتى اجتمع رأيهم على تقديم مرّة بن مخلد الأزدى وخرج عليه تمام بن تميم التميمى وكان عامله عليها ، وقد بايعه جماعة من القواد ، وأهل الشام وأهل خراسان ، فزحف فى النصف من شهر رمضان سنة ثلاث وثمانين ومائة متوجها إلى القيروان ، وخرج إليه ابن العكى فيمن معه ، فاقتتلوا قتالا شديدا فى منية الخيل ، فانهزم ابن العكى ، فدخل القيروان ، ومضى إلى دار كان قبل بناها ، فتحصن فيها وخلى عن دار الإمارة. فأقبل تمام فعسكر خلف الوادى ، بباب أبى الربيع عند مصلى روح بن حاتم ، فلما أصبح تمام فتحت له أبواب القيروان ، فدخلها يوم الأربعاء لخمس باقين من شهر رمضان ، فأمّنه تمام على دمه وماله ، على أن يخرج عنه فخرج عنها تلك الليلة ، فسار حتى وصل إلى طرابلس ثم مضى منها إلى سرت ، ولحق بطرابلس قوم من أهل خراسان ، منهم عباس بن طرحون صاحب شرطته ، وأبو العنبر كاتبه ، فأجمع رأيهم على أن يكتبوا إليه بالرجوع إلى طرابلس ، فأرسلوا إليه وهو مقيم بسرت ، فرجع إلى طرابلس ، وأقام تمام بالقيروان فنهض إليه إبراهيم بن الأغلب من الزاب فى نصرة ابن العكى. فلما بلغ تماما إقباله إليه جلا من القيروان ومضى إلى تونس ،