بعددهم فما قدر على ذلك فأمر بقطع القصب وأمر أن تطرح قصبة على كل قتيل ثم جمعت القصب وعدّت ، فكانت القتلى مائة ألف وثمانين ألفا ، وكانوا صفرية يستحلون الدماء وسبى النساء ، وكتب بذلك حنظلة إلى هشام بن عبد الملك ، فكان اللّيث بن سعد يقول : ما غزوة كنت أحب أن أشهدها بعد غزوة أحب إلى من غزوة القرن والأصنام.
ولاية عبد الرحمن بن حبيب
كان عبد الرحمن بن حبيب بن أبى عبيدة بن عقبة بن نافع الفهرى قد هرب إلى الأندلس عند هزيمة كلثوم بن عياض فى الوقعة التى قتل فيها أبوه كلثوم : فلم يزل وهو بالأندلس يحاول أن يغلب عليها فلم يمكنه ما يريد إلى أن وجه حنظلة بن صفوان أبا الخطّار إلى الأندلس فخاف عبد الرحمن على نفسه ، ولم يتهيأ له فخرج متسترا ، فركب البحر إلى تونس فنزل بها ، وذلك فى شهر جمادى الأولى سنة سبع وعشرين ومائة ، فدعا الناس إلى نفسه ، فأجابوه فسار حتى نزل بسمنجة ، فأراد أصحاب حنظلة الخروج إليه والزحف لقتله ، فكره حنظلة ذلك كراهية شديدة لهراقتة دماء المسلمين ، وكان رجلا ورعا عن الدنيا ولا يرى السيف إلا فى الكفرة وفى مثل الصفرية ، الذين يستحلّون دماء المسلمين وسبى ذراريهم وأخذ أموالهم ، وكان ذا دين وتقوى ، فوجه إليه حنظلة جماعة من وجوه إفريقية يدعونه إلى مراجعة الطاعة والنزوع عما هو عليه.
فلما قدموا على عبد الرحمن أوثقهم فى الحديد وأقبل بهم راجعا إلى القيروان ، وقال : «إن رمانى أحد من أوليائهم بحجر قتلتهم» فبلغ ذلك من الناس كل مبلغ ، وكان القوم الذين ظفر بهم وجوههم وأشرافهم ، فلما رأى ذلك حنظلة دعا القاضى وجماعة من أهل الفضل والدين ففتح بيت المال بحضرتهم ، وأخذ منه ألف دينار وترك الباقى. وقال : «ما أنا بماشّ منه إلّا بقدر ما يكفينى ويبلّغنى». ثم شخص عن إفريقية فى جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين ومائة وأقبل عبد الرحمن بن حبيب حتى دخل القيروان ، ونادى مناديه «لا يخرجنّ أحد إلى حنظلة ولا يشّيعه» فرجع الناس خوفا من عبد الرحمن.