وبعث بها إلى الأبرش الكلبى ، فدخل بها على هشام ، وقرأها. فغضب هشام ، وأمر بعزل عبيدة بن عبد الرحمن عن إفريقية. فقفل منها ، واستخلف على إفريقية عقبة بن قدامة التّجيبىّ ، وذلك فى شوال سنة أربع عشرة ومائة ، وولىّ هشام بن عبد الملك على إفريقية عبيد الله.
ولاية عبيد الله بن الحبحاب مولى بنى سلول (١)
وكان رئيسا نبيلا ، وأميرا جليلا ، وكاتبا بليغا ، وحافظا لأيّام العرب وأشعارها ووقائعها وأخبارها ، وكان يقول الشعر ، وهو الذى بنى الجامع ، ودار الصناعة بمدينة تونس فى سنة ست عشرة ومائة.
قال عبد الله بن أبى حسان اليحصبى عن أبيه ، قال : «رأيت عبيد الله بن الحبحاب يوما ينظر فى دفتر العطاء ، ويملى لرسالة ويأمر بحاجات فى ناحية أخرى ، ويأمر فى خلال ذلك بالحكم بين رجلين متنازعين ، وكان أوله كاتبا ، ثم تناهت به الحال إلى أن ولى إفريقية ، وذلك فى ربيع الأول سنة ست عشرة ومائة ، واستخلف ولده القاسم على مصر ، واستعمل على الأندلس عقبة بن الحجاج ، وعزل عنها عنبسة بن سحيم الكلبى ، واستعمل على طنجة ابنه إسماعيل ، وبعث حبيب بن أبى عبيدة بن عقبة بن نافع غازيا إلى المغرب ، فبلغ السوس الأقصى وأرض السودان ، ولم يقابله أحد إلّا ظهر عليه ، وأصاب من الذهب والسبى أمرا عظيما ، ولم يدع فى المغرب قبيلة إلّا أداخها فملئوا منه رعبا وخوفا ، وكان فيما أصاب من سبى البربر جاريتان ليس لكل واحدة منهن إلا ثدى واحد وسبى من قبيل من قبائل البربر يقال لهم «مسوقة» فى طريق السودان نساء لهن جمال ، وكان لهن أثمان جليلة ما مثلها ، ورجع سالما حتى قدم على ابن الحبحاب ، وأقام ابن الحبحاب مدّة ، والأمر يجرى على ما يجب من الظفر والغلبة.
__________________
(١) كان واليا على خراج مصر حينما ولاه هشام بن عبد الملك على المغرب والأندلس بالإضافة إلى عمله بمصر وذلك سنة ١١٦ ه / ٧٣٤ م ، وبهذا أصبح هذا الرجل يحكم غرب الدولة الإسلامية من العريش شرقا إلى المحيط الأطلسى غربا إلى جبال البرت شمالا.