بسم الله الرّحمن الرّحيم
وبه نستعين وصلى الله على سيدنا محمد
وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد
كان قيام دولة الأغالبة فى أفريقية عام ١٨٤ ه ـ ٨٠٠ م مرتبطا ارتباطا وثيقا بما كان يسود بلادها من اضطراب وفوضى وصراع مذهبى وثورات الجند العرب والبربر فى الفترة الممتدة من خلافة هشام بن عبد الملك (١٠٥ ه ـ ١٢٥ / ٧٢٤ م ـ ٧٤٣ م) إلى نهاية الدولة الأموية ١٣٢ ه / ٧٥٠ م (١).
وفى الحقيقة كانت الخلافة العباسية مشغولة بمشاكلها فى المشرق لتثبت كيانها ووجودها. فكان عليها محاربة الزندقة والقضاء على حركات العلويين ووقف أخطار البيزنطيين ، ولهذا لم يتسع وقت الخليفة أبى العباس السفاح للاهتمام كثيرا بما يقع ويحدث فى بلاد المغرب ، لأن تفكيره كان منصبا نحو المشرق ، ومع ذلك لم تغفل عيناه عن الجناح الغربى لدولة الإسلام والذى كان يشتمل على «مصر وبرقة وإفريقية» ، فاكتفى بالاستجابة إلى ما طلبه عبد الرحمن بن حبيب فقد كان عبد الرحمن بن حبيب بن أبى عبيدة ابن عقبة بن نافع زعيما سياسيا واسع النشاط ، يعتمد على ما حققه جده عقبة بن نافع من شهرة وسمعة وإنجازات حربية ، ولكنه فى نفس الوقت انحرف عن نمط سياسة جده ، فكان رجلا طامعا فى الحكم فلم يقم بتنظيم أمور دولته كما فعل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك (١٣٨ ه ـ ١٧٢ ه) ولكن كل همه البقاء فى إمارته دون سند شرعى (٢).
__________________
(١) محمود إسماعيل عبد الرازق : الأغالبة ص ٩.
(٢) ابن عذارى ، البيان المغرب فى أخبار المغرب ج ١ ص ٦٣ وابن خلدون فى كتاب «العبر من ديوان المبتدأ والخبر ج ٤ ـ ص ١٨٩ ـ ١٩٠». ونفس المعنى. عبد الواحد المراكشى فى «المعجب فى تلخيص المغرب ص ١٦».