وكان عبد الرحمن بن حبيب من أكبر قواد العرب البلديين بإفريقية ولذا كان أشدهم تطلعا إلى ولاية إفريقية ، فقد كان يرى نفسه أهلا لها رغم معارضة الكثيرين من أمثاله من قادة العرب البلديين فى إفريقية. ولم يسبق فى تاريخ المسلمين حتى ذلك الحين أن وافقت دولة الخلافة على أن يستقل أحد الولاة بولايته عن الدولة سواء أكان استقلالا تامّا أم غير تام.
ولكن الأحوال فى دولة الإسلام كانت تمر ـ أثناء فترة الانتقال من الأمويين إلى العباسيين والتى بدأت من منتصف حكم مروان بن محمد الجعدى وطوال خلافة أبى العباس السفاح وجزء من ولاية أبى جعفر المنصور ـ بحالة من الفوضى وعدم الاستقرار ، ولم تستقر الأمور إلا بعد عشر سنوات من ولاية المنصور ، وأصبح الخليفة المنصور سيد الدولة الإسلامية بلا منازع (١).
فلما أعلن عبد الرحمن بن حبيب نفسه أميرا على القيروان بعث بطاعته إلى أبى جعفر المنصور ، ولم يكن لدى الخليفة العباسى حينئذ متسع من الوقت للنظر فى أمر إفريقية بعناية ، فأقره ريثما تسمح ظروفه (٢) بالتفرغ للجناح الغربى من دولته الكبيرة ثم طالبه المنصور بالمال ، وكان ذلك طبيعيّا من المنصور لأنه كان خليفة المسلمين والمفروض على جميع ولاة الدولة أن يرسلوا للحكومة المركزية بالمال المتبقى من خراج ولاياتهم ليستعين به الخليفة على مطالب الخلافة ، وقد فوجىء عبد الرحمن بن حبيب بهذا الطلب لأنه إلى ذلك الحين لم يكن صاحب السلطان على إفريقية لكى يستطيع استخراج المال الكافى منها لينفق على إدارتها ومرافقها من ناحية ، ثم لكى يرسل ما يتيسر له إلى الخلافة ، وكان يستطيع أن
__________________
(١) د / حسين مؤنس معالم تاريخ المغرب والأندلس ص ٦٧.
(٢) وكان عبد الرحمن بن حبيب قد كتب إلى المنصور «أن إفريقية اليوم إسلامية كلها وقد انقطع السبى منها والمال ، فلا تطلب منى مالا» فرد عليه المنصور «إنى ظننت أن هذا الخائن يدعو إلى الحق ويقوم به ، حتى تبين لى خلاف ما بايعته عليه من إقامة العدل وإنى الآن قد خلعته كما خلعت نعلى هذا ، وقذفه من رجله». انظر النويرى : نهاية الراب فى فنون الأرب ج ٢٤ ص ٦٦ ، وابن الأثير : الكامل فى التاريخ ج ٤ ص ٢٨.
وابن عذارى البيان المغرب فى أخبار المغرب ج ١ ص ٦٧.