برقة وأصابوا منها سبيا ، ومن الأموال شيئا عظيما ، وقتلوا وسبوا ، ووافق ذلك قدوم زهير من إفريقية إلى برقة فأخبروه الخبر ، فأمر العسكر أن يمضوا على الطريق ، وأخذ على ساحل البحر فى عدة من أشراف الناس مجدين مبادرين ، رجاء أن يدرك سبى المسلمين ، فأشرف على الرّوم فرآهم فى خلق عظيم فلم يقدر على الرّجوع ، واستغاث به المسلمون وصاحوا ، والروم يدخلونهم المراكب ، فنادى بأصحابه : «النزول رحمكم الله!» فنزلوا ، وكانوا رؤساء العابدين وأشراف العرب ، فنزل إليهم الروم فتلقوهّم بعددّ عظيم ، والتحم القتال وأعانوا بعضهم بعضا ، وتكاثر عليهم الروم ، فقتلوا زهيرا ـ رحمه الله ـ ومن معه من المسلمين جميعا ، فما أفلت منهم رجل ، وأدخلت الروم الخيل والسلاح والسبى وما أصابوه من برقة ، وانقلبوا وافرين يريدون ملك القسطنطينية.
ومضى المسلمون إلى دمشق ، فدخلوا على عبد الملك ، فأخبروه أن أميرهم وأشراف رجالهم قد استشهدوا ، فعظم ذلك عليه ، وبلغ منه لفضله ودينه ، وكانت مصيبته مثل مصيبة عقبة ـ رحمهم الله ـ على الناس ، واجتمع أشراف المسلمين ، وسألوا عبد الملك بن مروان أن ينظر إلى إفريقية من يسد ثغرها ، ويصلح أمرها. فقال لهم عبد الملك : «ما اعرف أحد كفؤا لإفريقية كحسّان بن النعمان الغسانىّ.
ولاية حسان بن النعمان الغسانى
[وجميع] من بإفريقية منها [ـ أى الكاهنة ـ] خائفون والبربر لها مطيعون ، وإن قتلتها يئس البربر والروم بعدها أن يكون لهم ملجأ حتى يلقوا بأيديهم فى يدك ، فيدين لك الغرب كله ، فلما سمع ذلك من أهل إفريقية توجه إليها يريدها ، فلمّا كان موضعا قريبا من مجّانة ، عرف أن الروم قد تحصّنوا بقلعتها فمضى ولم يعرض لها ، وبلغ الكاهنة أمره ، فرحلت من جبل أوراس بعدد لا يحصى فسبقته إلى مدينة باغاية ، وأخرجت منها الرّوم ، وهدمت حصنها ، وظنّت أن حسان إنما يريد حصنها يتحصّن فيه ، وأقبل حسان حين بلغه الخبر فنزل بوادى مسكيانة ، ورجعت الكاهنة إليه تريده وخرج حسّان حتى خرج بين