الفج والشعراء ونزل على النهر الذى يسمى بلسان البربر «بلى» ورحلت الكاهنة حتى نزلت على هذا النهر ، وكان هو يشرب من أعلي النهر وهى من أسفله ، فلما دنا بعضهم من بعض وتوافت الخيل ، وذلك آخر النهار ، فأبى حسان أن يقاتلها إلا أول النّهار ، فباتوا ليلتهم وقوفا على سروجهم فلما أصبحوا زحف بعضهم إلى بعض فالتقوا ، فتقاتلوا قتالا شديدا وما سمع قط ، فعظم البلاء وظن الناس أنه الفناء ، فانهزم حسان بن النعمان وقتلت العرب قتلا ذريعا وأسرت من أصحابه ثمانين رجلا منهم خالد بن يزيد القيسى وكان رجلا شريفا مذكورا. فسمى ذلك الوادى «وادى العذارى» وسمى أيضا «نهر البلاء» ، وبينه وبين باغاية ثمانية عشر ميلا ، وأتبعته الكاهنة ومن معها حتى خرج من عمل قابس ، وأسلم إفريقية.
فكتب إلى عبد الملك : بما لقى المسلمون وحاوره ، وأقام طمعا أن يلحق به من أفلت من أصحابه ، فعاد إليه الجواب : أن يقيم حيث وصل إليه الجواب ، ولا يبرح حتى يأتيه أمره ، فلقيه الكتاب ... فبنى وأقام بالموضع الذى لقيه فيه الكتاب خمس سنين ، فسمى ذلك المكان «قصور حسّان» إلى اليوم ، ثم أنّ عبد الملك أعمل رأيه واستشار فيمن يخرجه إلى إفريقية ... فوجّه إليه عسكرا عظيما ومالا وسلاحا وقوة ، وكانت الكاهنة حينئذ أاسرت ثمانين رجلا من أصحاب حسان ، فأرسلتهم ، وأحسنت إليهم وحبست عندها يزيد بن خالد القيسى.
فلما انتهى إلى حسّان سألهم عن يزيد بن خالد ، فأخبروه بسلامته ، فسرّه ذلك ، وأن الكاهنة قالت لخالد : «ما رأيت فى الرجال أجمل منك ولا أشجع! وأنا أريد أن أرضعك فتكون أخا لولدى ، وكانت لها ولدان أحدهما «قويدر» والآخر «يامين» فقال لها : وكيف يكون ذلك وقد ذهب الرضاع منك ، فقالت : إنّا جماعة البربر لنا رضاع إذا فعلناه نتوارث به ، فعمدت إلى دقيق الشعير ، فلثته بزيت ، وجعلته على ثدييها ودعت!!» ولديها وقالت لهما : «كولا معه على ثديى» وقالت لهم : إنكم قد صرتم أخوة ثم إن حسان توافت إليه فرسان العرب ورجالها ، فدعا عند ذلك برجل يثق به ومناه وكتب معه إلى [ابنّ يزيد