ثم غزا حبيب بن أبى عبيدة فى البحر إلى صقلية ، وذلك فى سنة اثنين وعشرين ومائة ، معه ابنه عبد الرحمن بن حبيب ، فلما نزل بأرضها وجه ابنه عبد الرحمن على الخيل ، فلم يلقه أحد إلّا هزمه عبد الرحمن ، وأظفر ظفرا لم ير مثله ، ومضى حتى نزل «سرقوسة» وهى أعظم مدينة بصقلية ، فقاتلوه فهزمهم حتى ضرب بابها بالسيف ، فأثّر فيه ، فهابه النصارى ، ورضوا بالجزية ، ثم توجّه إلى أبيه خوفا أن يخالفه العدوّ إليه ، وكان ابن الحبحاب قد ولى طنجة وما والاها عمر بن عبيد الله المرادىّ ، فأساء السيرة ، وتعدى فى الصدقات ، والقسم أراد أن يخمّس البربر ، وزعم أنهم فى المسلمين ، وذلك ما لم يرتكبه عامل قبله ، وإنّما كانت الولاة يخمّسون من لم يؤمن منهم ، ولم يجب إلى الإسلام. فلما بلغ البربر خروج حبيب بن أبى عبيدة إلى بلد الروم انتقضوا على عبيد الله بن الحبحاب بطنجة ، وتداعت عليه بأسرها ، وعظم البلاء وذلك فى سنة اثنين وعشرين ومائة ، وهى أول فتن كانت بإفريقية فى الإسلام ، فعند ذلك خرج ميسرة المدغرى فقام على عمر بن عبيد المرادى ، فقتله.
وفى المغرب يومئذ قوم فيهم دعوة الخوارج وفيهم عدد كثير وشوكة ، وكتب عبيد الله بن الحبحاب إلى أبى خالد حبيب بن أبى عبيدة بن عقبة بن نافع بالرجوع من صقلية ، وولى خالد بن أبى حبيب الفهرى على أشراف إفريقية ووجوههم ، وشخص إلى ميسرة ووصل حبيب بن أبى عبيدة من صقلية ، فعقد له ابن الحبحاب ، وأمره أن يلحق بخالد ، فوجه حبيب فى أثره ، وسار خالد حتى عبر «وادى شلف» ، وهو نهر فى أرض البربر ، على ساحل من» تيهرت». ثم قدم حبيب بن أبى عبيدة حتى نزل على وادى شلف فأقام ولم يبرح ، ومضى خالد بن أبى حبيب من فوره حتى لقى ميسرة دون طنجة ، فاقتتلوا قتالا شديدا لم يسمع بمثله ، ثم انصرف ميسرة إلى طنجة ، وأنكرت عليه البربر سوء سيرته ، وتغيّروا عما كانوا بايعوه عليه ، وقد بويع بالخلافة ، فقتلوه وولّوا أمرهم خالد بن حميد الزناتىّ : فالتقى خالد بن أبى حبيب والبربر ، فكان بينهم قتال شديد ، فبينما هم كذلك إذ غشيهم ابن حميد الزناتّى بعسكر عظيم ، فتكاثرت عليهم البربر وانهزموا ، فكره خالد أن ينهزم ، فألقى بنفسه هو وأصحابه إلى الموت ، فقتل خالد بن أبى حبيب وجميع من معه