أرسلهم إلينا ، فتفرّقوا فينا ، وحرّضوا على الجهاد ، وذكروا فضله ، وذكروا مذهب عدونا الخوارج وعظم ما يريدونه بنا من السّبى وهتك الحريم ، وسفك الدم ، وأنه ليس ملجأ بعد هذا المقام. ومشى حنظلة على الصفوف ، وأقبلوا يحرضون الناس ويرغبونهم فى الجهاد ، وخرج نساء القيروان ، فعقدن الألوية ، وأخذن معهنّ السلاح ، وعزمنا على القتال ، واستبسلن للموت مع الرجال ، وحلفنا لأزواجهن : لئن انهزم أحد منكم إلينا مولّيا عن العدو لنقتتلنّه ، وعلمن ما يردن بهنّ الصّفرية من السبى والعبودية ووطنّ الناس على الموت ، فهش الناس للقتال ، واشتدت نصرتهم حتى استبطأوا فراغ القوم من كلامهم ما سمعوا ، ثم إن رسول حنظلة أتى إلى القراء فقال : «تنحّوا عن القوم ، وخلوا بينهم وبين عدوّهم على اسم الله وعونه». قال : فنهضنا نهضة رجل واحد وتقدم شعيب بن عثمان فسلّ سيفه وكسر جفنه ، وفعلنا مثلما فعل. قال : فلقد رأيت الجفون قد تطايرت على رءوسنا حتى صارت كالطير لكثرتها.
فذكر بن أبى حسّان عن أبيه عن رجل من الصّفرية ، قال : شهدت ذلك اليوم ، فلما رأينا الجفون على رءوسهم أنكرنا ذلك : فقال بعض أصحابنا ، هؤلاء بنو إسماعيل قد كسروا أغماد سيوفهم ، فانظروا إلى الرجال كيف يكونون ، فجعل عبد الواحد يحرض أصحابه وينادى : «يا أهل البصائر ، قال : أول من خرج إلىّ رجل كالبعير عظما ، يدعو إلى البراز ، فخرج إليه شعيب بن عثمان ، فبدره البربرى بالضربة ، فقعد شعيب على مقعدته ثم وثب إليه ، فقتله واحترز رأسه والتحم القتال وتنازل الأقران ، وتداعى الأبطال ولزم الرجالة الأرض ، وجثوا على الرّكب فلا تسمع إلّا وقع الحديد وتواخذوا بالأيدى ، فكانت كسرة على مسيرة العرب حتى جاوزوا قصر الماء ، وانكسرت مسيرة البربر قبلهم ثم كرت مسيرة العرب على ميمنة البربر فكانت الهزيمة وفتح الله عز وجل لنا ، فقتلناهم إلى جلولاء وخرجت إلينا الصّبيان والنساء بالماء والسّويق ، وكان ذلك يوم الثلاثاء ، فأقمنا إلى يوم الخميس ونحن لا نعلم بموت عبد الواحد عدوّ الله ، حتى أتى إلى حنظلة برأسه ، فخر لله ساجدا وقيل : ما علم فى الأرض مقتله كانت أعظم منها وأخذ عكاشة أسيرا بجبل آخر بمضيق ، وأتى به حنظلة فقتلة ، وأراد حنظلة أن يحصى من قتل بينهم ، وأمر