فقال : بل مثلك ومثلهم أيها الأمير ، كما قال مروان بن أبى حفصة :
فما أحجم الأعداء عنك تقية |
|
عليك ولكن لم يروا فيك مطمعا |
فضحك وسر بقوله وعفا له عن القوم.
وثار رجل من أبناء العرب ، يقال له حمد يس بن عبد الرحمن الكندى ، فخلع السواد وجمع جموعا كثيرة ، وأتى بعرب أهل البلاد وبربرها ، فلما كثرت جموعه بمدينة تونس بعث إبراهيم عمران بن مخالد إلى تونس ، وبعث معه عسكرا فيه وجوه القواد ، وأمره أن يحث السير إليه ، وكان فيما أوصاه به أن قال : «يا عمران ، إن أعظم الناس خطرا وأفلحهم حجة الحازم المعدّ لأمره ، وأعلم أن العرب لم يخرج بها مخالف قط منذ جاءت دولة بنى العباس وهو أعظم كفرا من هذا الفاسق ولا أبين بالخلافة ، ولا أشك أن الله سيقطع دابره ، فإن ظفر الله تعالى به فاقطع أثره وأثر من يتابعه ، وأعلم أنك إن أبقيت منهم رجلا ممن يرى رأيه لم تعدم أن ترى كل يوم قرن فتنة نجم ، وعقال خلاف انطلق ، فانهدّ لما أمرتك به ، ولست أدع أن أمدك بالخيل إن شاء الله» ، فسار عمران بن مخالد حتى لقيهم بسبخة تونس فاقتتلوا قتالا شديدا ، وكثر بينهم القتل حتى جعل ناس من أصحاب حمد يس يقولون «بغداد بغداد ، فلا والله لا اتخذت لكم طاعة بعد اليوم أبدا».
وأبلى حمزة بن الشباك ذلك اليوم بلاء عظيما ، ونادى عمران فى أصحابه «يا أبناء الدعوة وأهل الطاعة لابد من الموت ، فهبوا إلى الله ساعة من الصبر والحفيظة» وما زال يحرضهم ، فما زال حمد يس وأصحابه إلى أن انكشفوا وقتلوا مقتلة عظيمة ، وقتل حمد يس فدخل عمران تونس فجعل يتبعهم ويقتلهم حتى أفناهم. وكان خروجه فى سنة ست وثمانين ومائة.
وكتب إبراهيم بأمر حمد يس إلى الرشيد برسالة كبيرة ، وصف فيها ابتداء خروجه وحروبه إلى مقتله ، وأعلمه أنه قتل من أصحابه عشرة آلاف ، فلما استقامت الأمور