أعرف هذا الصكّ ، وهو حق ، دعانى مولاى فقال لى ـ وهذا الفتى عنده على بابه معه هذه القطعة الأديم ـ : اكتب. فكتبت بإملائه هذا الحق ، فقال عمرو للفتى : وما سبب مالك هذا؟ قال : رأيته وهو معزول يمشى وحده ، فقمت فمشيت معه حتى بلغ باب داره ، ثم وقفت ، فقال : هل لك من حاجة؟ فقلت : لا ، إلا أنى رأيتك تمشى وحدك ، فأحببت أن أصل جناحك ، قال : وصلت رحما يابن أخى ، ثم قال : ائتنى بقطعة أديم ، فأتيت خرازا عند بابه ، فأخذت منه هذه القطعة ، فدعا مولاه هذا ، فقال : اكتب. فكتب ، وأملى عليه هذا الكتاب ، وكتب فيه شهادته على نفسه ، ثم دفعه إلىّ وقال : يا ابن أخى ، ليس عندنا اليوم شىء ، فخذ هذا الكتاب ، فإذا أتانا شىء ، فائتنا به إن شاء الله ، فمات رحمهالله قبل أن يأتيه شىء. فقال عمرو : لا جرم ، لا تأخذها إلا وافية ، فدفعها إليه كل سبعة باثنى عشر جوازا.
وقال الكريمى ، عن الأصمعى ، عن شبيب بن شيبة : لما حضرت سعيد بن العاص الوفاة ، قال لبنيه : أيكم يقبل وصيتى؟ فقال ابنه الأكبر : أنا يا أبه ، قال : فإن فيها قضاء دين. قال : وما دينك يا أبه ، قال : ثمانون ألف دينار ، قال : وفى م أخذتها يا أبه؟ قال : يا بنى ، فى كريم سددت منه خلة ، وفى رجل أتانى فى حاجة ، ودمه ينزف فى وجهه من الحياء ، فبدأته بها قبل أن يسألنى.
قال شعيب بن صفوان ، عن عبد الملك بن عمير : قال سعيد بن العاص لابنه : يا بنى أجزى المعروف إذا لم يكن ابتداء من غير مسألة ، فأما إذا أتاك تكاد ترى دمه فى وجهه ، ومخاطر لا يدرى تعطيه أم تمنعه ، فو الله لو خرجت له من جميع مالك ما كافيته.
وقال العباس بن هشام الكلبى ، عن أبيه : قال سعيد بن العاص : ما شاتمت رجلا منذ كنت رجلا ، ولا زاحمت ركبتى ركبته ، وإذا أنا لم أصل زائرى ، حتى يرشح جبينه كما يرشح السقاء ، فو الله ما وصلته.
وقال مبارك بن سعيد الثورى ، عن عبد الملك بن عمير : قال سعيد بن العاص : إن الكريم ليرعى من المعرفة ، ما يرعى الواصل بالقرابة. وقال مبارك أيضا ، عن عبد الملك : قال سعيد بن العاص : لجليسى علىّ ثلاث خصال : إذا دنا رحبت به ، وإذا جلس أوسعت له ، وإذا حدث أقبلت عليه.
ثم قال عبد العزيز بن أبى زرعة ، عن عبد الله بن المبارك : قال سعيد بن العاص لابنه: يا بنى ، لا تمازح الشريف فيحقد عليك ، ولا تمازح الدّنىء ، فيجترئ عليك.
وقال أبو بكر بن دريد ، عن أبى حاتم عن العتبىّ : قال معاوية لسعيد بن العاص : كم