عمرو : قال الحسن ـ ويا له من رجل ما كان أعقله : ـ أيها القوم ، إنى والله قد رأيت الذى فى وجوهكم ، فإن كنتم غضبى فاغضبوا على أنفسكم ، دعى القوم ودعيتم ، فاسرعوا وأبطأتم ، أما والله لما سبقوكم به من الفضل ، أشد عليكم فوتا من بابكم هذا ، الذى تنافسون عليه ، ثم قال : أيها القوم ، إن هؤلاء القوم قد سبقوكم بما ترون ، ولا سبيل إلى ما سبقوكم به ، فانظروا هذا الجهاد فالزموه ، عسى الله أن يزرقكم شهادة. ثم نفض ثوبه ، وقام ولحق بالشام. قال الحسن : فصدق. والله لا يجعل الله عبدا له ، أسرع إليه كعبد أبطأ عنه.
وذكر الزبير عن عمه مصعب ، عن نوفل بن عمارة ، قال : جاء الحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، إلى عمر بن الخطاب ، رضى الله عنه ، فجلسا وهو بينهما ، فجعل المهاجرون الأولون ، يأتون عمر ـ رضى الله عنه ـ فيقول : هاهنا يا سهيل ، هاهنا يا حارث ، فينحيهما عنه ، فجعل الأنصار يأتون فينحيهما عنه كذلك ، حتى صارا فى آخر الناس ، فلما خرجا من عند عمر بن الخطاب ، قال الحارث بن هشام لسهيل بن عمرو : ألم تر ما صنع بنا؟ فقال سهيل : أيها الرجل ، لا لوم عليه ، ينبغى أن نرجع باللوم على أنفسنا ، دعى القوم فأسرعوا ، ودعينا فأبطأنا. فلم قام الناس من عند عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ أتياه فقالا له : يا أمير المؤمنين ، قد رأينا ما فعل بنا القوم ، وعلمنا أن أتينا من قبل أنفسنا. فهل من شىء نستدرك به ما فاتنا من الفضل؟ فقال : لا أعلم إلا هذا الوجه ، وأشار لهما إلى ثغر الروم ، فخرجا إلى الشام فماتا بها.
قالوا : وكان سهيل بن عمرو ، بعد أن أسلم ، كثير الصلاة والصوم والصدقة ، وخرج بجماعة أهله إلا ابنته هندا إلى الشام مجاهدا حتى ماتوا كلهم هناك ، فلم يبق من ولده أحد إلا ابنته هند ، وفاختة بنت عقبة بن سهيل ، فقدم بها على عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ ومعها عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وكان الحارث قد خرج مع سهيل ، فلم يرجع ممن خرج معهما إلا عبد الرحمن ، وفاختة ، فقال : زوجوا الشّريد الشّريدة ، ففعلوا ، فنشر الله منهما خلقا كثيرا.
قال المدائنى : قتل سهيل بن عمرو باليرموك ، وقيل : بل مات فى طاعون عمواس. قال النووى ، استشهد باليرموك ، وقيل بمرج الصفّر ، وذكر القول بوفاته فى طاعون عمواس.