فخرج معى سريعا ، فقال : أيها الناس! انتدبوا مع ابن الزبير ، فاخترت ثلاثين فارسا ، وقلت لسائرهم : اثبتوا على مصافكم ، وحملت على الوجه الذى رأيت فيه جرجير ، وقلت لأصحابى : احموا لى ظهرى ، فو الله ما نشبت أن خرقت الصف إليه ، فخرجت صامدا له ، وما يحسب هو ولا أصحابه إلا أنى رسول ، حتى دنوت منه ، فعرف الشر ، فثنى برذونه موليا ، فأدركته فطعنته فسقط ، وسقطت الجاريتان عليه ، وأهويت إليه مبادرا ، فدفعت عليه بالسيف ، فأصبت يد إحدى الجاريتين فقطعتها ، ثم احتززت رأسه ، فنصبته فى رمحى وكبرت ، وحمل المسلمون فى الوجه الذى كنت فيه ، وارفض العدو فى كل وجه ، ومنح الله المسلمين أكتافهم.
قال الزبير : فلما أراد ابن أبى سرح أن يوجه بشيرا إلى عثمان رضى الله عنه ، قال : أنت أولى من هاهنا بذلك ، فانطلق إلى أمير المؤمنين فأخبره الخبر. وقدمت على عثمان فأخبرته بفتح الله عزوجل ونصره وصنعه ، ووصفت له أمرنا كيف كان.
فلما فرغت من ذلك قال : هل تستطيع أن تؤدى هذا إلى الناس؟. قال : قلت : وما يمنعنى من ذلك؟ قال : فاخرج إلى الناس فأخبرهم ، فخرجت حتى جئت المنبر ، فاستقبلت الناس ، فتلقانى وجه أبى ، الزبير بن العوام ، فدخلتنى له هيبة ، فعرفها أبى فىّ ، فقبض قبضة من حصى ، وجمع وجهه فى وجهى ، وهم أن يحصبنى ، فتكلمت. فزعموا أن الزبير قال : والله لكأنى سمعت كلام أبى بكر الصديق رضى الله عنه : من أراد أن يتزوج امرأة فلينظر إلى أبيها أو أخيها ، فإنما تأتيه بأحدهما.
وبشر عبد الله بن الزبير ، مقدمة من أفريقية ، بابنه خبيب بن عبد الله ، وبأخيه عروة ابن الزبير. وكان خبيب أكبر من عروة ، وكان عبد الله يكنى أبا بكر وأبا خبيب ، ويكنى أبا خبيب بابنه خبيب بن عبد الله ، وكان يقال لعبد الله بن الزبير «عائذ الله».
قالت أم هاشم (زجلة) بنت منظور بن زبان الفزارية للحجاج [من البسيط] :
أبعد عائذ بيت الله تخطبنى |
|
جهلا وغب الجهل مذموم |
وقال عمر بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل [من الطويل] :
فإن ينج منها عائذ البيت سالما |
|
فما نالنا منكم وإن شفنا جلل |
وقال جرير أو غيره (٤) [من الوافر] :
وعائذ بيت ربك قد أجرنا |
|
وأبلينا فما نسى البلاء |
__________________
(٤) انظر البيت فى : (نسب قريش ٦ / ٢٣٣).