وقال الزبير : حدثنى عمى مصعب بن عبد الله ، قال : زعموا أن الذى دعا عبد الله ابن الزبير إلى التعوذ بالبيت ، شىء سمعه من أبيه حين سار من مكة إلى البصرة ، قال : التفت الزبير إلى الكعبة بعد ما ودع وتوجه يريد الركوب ، ثم أقبل على ابنه عبد الله بن الزبير ثم قال : أما والله ما رأيت مثلها لطالب رغبة ، أو خائف رهبة. وكان ذلك سبب تعوذ ابن الزبير بها يوم مات معاوية.
وقال الزبير : سمعت أبى يقول : كان ابن الزبير قد صحب عبد الله بن أبى السرح ، فلقيته بعد العتمة ملتثما ، لا تبدو منه إلا عيناه ، فعرفته ، فأخذت بيده وقلت : ابن أبى السرح! كيف كنت بعدى؟ كيف تركت أمير المؤمنين؟ ، فلم يكلمنى ، فقلت : ما لك ، أمات أمير المؤمنين؟ فلم يكلمنى ، فخليته ، ثم أثبت معرفته ، ثم خرجت حتى لقيت الحسين بن علىّ رضى الله عنهما ، فأخبرته خبره ، وقلت : سيأتيك الرسول فانظر ما أنت صانع! واعلم أن رواحلى فى الدار معدة ، فالموعد بينى وبينك أن تغفل عنا عيونهم ، ثم فارقته ، فلم ألبث أن أتى رسول الوليد بن عتبة بن أبى سفيان ، فجئته ، فوجدت الحسين عنده ، ووجدت عنده مروان ، فنعى إلىّ معاوية ، فاسترجعت فأقبل علىّ الوليد فقال : هلم إلى بيعة يزيد ، فقد كتب إلينا يأمرنا أن نأخذها عليك ، فقلت : إنى قد علمت أن فى نفسه علىّ شيئا ، لتركى بيعته فى حياة أبيه ، وإن بايعت له على هذه الحال توهم أنى مكره ، فلم يقع ذلك منى بحيث أريد ، ولكن أصبح وتجتمع الناس ، ويكون ذلك علانية إن شاء الله تعالى ، فنظر إلى مروان ، فقال مروان : هو الذى قلت لك ، إن يخرج لم تره ، فأحببت أن ألقى بينى وبين مروان شيئا نتشاغل به ، فأقبلت على مروان فقلت له : وما قلت يابن الزرقاء؟ فقال لى وقلت له ، حتى تواثبنا ، فتناصيت أنا وهو ، وقام الوليد يحجز بيننا ، فقال له مروان : أتحجز بيننا وتدع أن تأمر أعوانك ، فقال له الوليد : قد أرى ما تريد ، ولا أتولى ذلك والله منه أبدا ، اذهب يابن الزبير حيث شئت ، فأخذت بيد الحسين فخرجنا من الباب جميعا ، حتى صرنا إلى المسجد وابن الزبير يقول (٥) [من الطويل] :
ولا تحسبنى يا مسافر شحمة |
|
تعجلها من جانب القدر جائع |
فلما دخل المسجد هو والحسين ، افترق هو والحسين ، وعمد كل رجل منهما إلى مصلاه يصلى فيه ، وجعل الرسل تختلف إليهما ، ويسمع وقعهم فى الحصباء ، حتى هدأ عنهما الحس ، ثم انصرفا إلى منازلهما ، فأتى ابن الزبير رواحله فقعد عليها ، وخرج من أدنى داره ، ووافاه الحسين للموعد ، فخرجا جميعا من ليلتهما ، وسلكوا طريق الفرع ، حتى نزلوا بالجثجاثة ، وبها جعفر بن الزبير قد ازدرعها ، وعمى عليهم من إبلهم ، فانتهوا
__________________
(٥) انظر ترجمته فى : (نسب قريش ٧ / ٢٣٩).