الفريقان بباخمرا (٥) على يومين من الكوفة ، فالتحم القتال. فاستظهر أصحاب إبراهيم ، وانهزم حميد بن قحطبة ، مقدم جيش المنصور ، وثبت عيسى بن موسى فى نحو مائة ، وقال : لا أزول ولو قتلت ، لما أشير عليه بالفرار ، ثم إن ابنى سليمان بن علىّ ، عطفا مع جماعة من الفرسان ، وحملوا على عسكر إبراهيم حملة صادقة ، من وراء إبراهيم. فانهزم أصحاب إبراهيم ، حتى بقى فى نحو من سبعين مقاتل ، وتراجع المنهزمون من أصحاب المنصور ، وحمى الحرب ، وأصاب إبراهيم سهم غرب فى حلقه ، فأنزل وهو يقول : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) [الأحزاب : ٣٨] ، أردنا أمرا وأراد الله غيره ، وحف به أصحابه يحمونه ، فحمل عليهم حميد بن قحطبة ، فنزل إليه جماعة ، واحتزوا رأسه ، وحمل إلى المنصور على رمح ، فخر ساجدا ، وذلك فى الخامس والعشرين من ذى القعدة سنة خمس وأربعين ، ولما جاءه الرأس ، تمثل بقول معقر [من الطويل] :
فألقت عصاها واستقر بها النوى |
|
كما قر عينا بالإياب المسافر |
وكان لما وصل إليه المنهزمون من أصحابه ، قد هيأ النجائب للهرب إلى الرى (٦) وكان بها ولده فى أكثر جيش ، وتمثل حين اشتد قلقه بقول القائل [من الكامل] :
ونصبت نفسى للرماح دريئة |
|
إن الرئيس لمثل ذاك فعول |
وفى سنة خمسين ومائة ، خرجت جيوش خراسان عن طاعته ، فبعث لحربهم حازم ابن خزيمة فى جيش عرمرم يسد الفضاء ، فالتقى الجيشان ، وصبر الفريقان. فانهزم الملك أستاذ سيس (٧) الذى انضم إليه جيش خراسان ، ثم حوصر مدة ، فسلم نفسه وقتل.
وفى سنة ثلاث وخمسين ، غلبت الخوارج الأباضية على مملكة أفريقية ، وقتلوا نائب المنصور بها ، وهزموا عسكره ، وكان رءوس الخوارج ثلاثة : أبو قرة فى أربعين ألفا من الصفرية ، وأبو حاتم فى مائتى ألف من الفرسان ، وأبو عاد ، وبويع أبو قرة بالخلافة.
ولما بلغ المنصور خبرهم أهمه ذلك ، وبعث فى سنة أربع وخمسين ، يزيد بن حاتم فى خمسين ألف فارس ، وأنفق على الجيش ثلاثة وستين ألف ألف درهم.
__________________
(٥) باخمرا : بالراء ، موضع بين الكوفة وواسط وهو إلى الكوفة أقرب ، قالوا : بين باجرا والكوفة سبعة عشر فرسخا. انظر : معجم البلدان (باخمرا).
(٦) الرى : بفتح أوله ، وتشديد ثانيه .. وهى مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام المدن.
انظر : معجم البلدان ٣ / ١١٦ وما بعدها.
(٧) سيس : بلد هو اليوم من أعظم مدن الثغورا الشامية بين أنطاكية وطرسوس. انظر : معجم البلدان ٣ / ٢٩٧.