فى أواخر سنة تسع وتسعين وسبعمائة ، ولم يقدر له الحج ، وجاور بمكة فى سنة ثمانمائة حتى حج ، ودخل مع الحجاج الشاميين إلى دمشق ، فاستفاد بها شيوخا ، وأشياء من المرويات ، لم يكن استفادها قبل ذلك.
وقدمت عليه إلى دمشق ، فى صحبة الحافظ الحجة شهاب الدين بن حجر لما رحل إلى دمشق فى رمضان سنة اثنتين وثمانمائة ، فأفادنا أشياء كثيرة من المرويات والشيوخ ، وقرأ لنا أشياء كثيرة ؛ لأن الحافظ شهاب الدين ، كان يشتغل بانتخاب أشياء مفيدة ، وكنت أنا وبه فى القراءة ، وعاد معنا إلى مصر فى أوائل سنة ثلاث وثمانمائة ، وترافقنا من مصر للسفر إلى مكة ، فى وقت الحج ، من سنة أربع وثمانمائة ، فحج وجاور بمكة نحو سبع سنين متوالية ، غير أنه كان زار المدينة النبوية من مكة ثلاث مرات ، وزار الطائف مرة.
ولما حج فى سنة إحدى عشرة وثمانمائة ، توجه مع قافلة عقيل إلى الحسا والقطيف(١)، لإلزام بعض أصحابه له بذلك ، ومضى من هناك إلى هرموز ، ثم إلى كنباية (٢) من بلاد الهند ، ثم عاد إلى هرموز ، وصار يتردد منها إلى بلاد العجم للتجارة ، وحصل دنيا قليلة ، ثم ذهبت منه ، ولم يكتسب مثلها ، حتى مات.
وكان ماهرا فى معرفة المتأخرين والمرويات والعوالى ، مع بصارة فى المتقدمين ومشاركة فى الفقه والعربية ، ومعرفة حسنة للفرائض والحساب والشعر ، وله نظم كثير ، وتخاريج حسنة مفيدة ، خرج لنفسه أحاديث متباينة الإسناد والمتون ، زاد فيها على تسعين حديثا ، إلا أنه لم يشترط اتصال إسنادها بالسماع ، وراعيت أنا ذلك فيما خرجت لنفسى فى هذا المعنى ، ويسر الله لى من ذلك أربعين حديثا ، بشرط اتصال السماع ، وغير ذلك من الشروط الحسنة.
ومن تخاريجه أحاديث الفقهاء الشافعية ، وخرج معجما حسنا لقاضى مكة ، شيخنا جمال الدين بن ظهيرة ، ومشيخة لشيخنا القاضى مجد الدين إسماعيل الحنفى ، وخرج شيئا لشيخنا عبد الرحمن بن الشيخة ، ولغير واحد من شيوخه وأقرانه ، وكان حسن القراءة والكتابة والأخلاق ، ذا مروءة كثيرة وديانة ، وقد تبصر فى الحديث كثيرا ، بشيخنا حافظ
__________________
(١) القطيف : هى مدينة بالبحرين هى اليوم قصبتها وأعظم مدنها. انظر : معجم البلدان ٤ / ٣٧٨.
(٢) كنباية : مدينة بأرض الهند من مملكة بلهرى وهى على الخليج من البحر أعرض من النيل. انظر : الروض المعطار ٤٩٦ ، ابن بطوطة ٥٥٠ ، حدود العالم ٨٨ ، نخبة الدهر ١٥٢ ، تقويم البلدان ٣٥٦.