وعلى الرغم من جميع الجهود التي بذلها المماليك فإن الروح العسكرية لم تمت لا بين سكان المدن ، ولا بين العشائر البدوية ، فالنزعة القتالية متأصلة لدى البداة ، وروح الجهاد متمكنة لدى المسلمين من سكان المدن ، وكان لشعب المدن مشاركة فعالة في معارك التحرير وتصفية الوجود الصليبي ، وعندما بدأ الضعف يدب في أوصال المؤسسة العسكرية المملوكية ازدادت بالمقابل قوة الطوائف المحلية ولا سيما البدوية منها.
قال شيخ الربوة أثناء حديثه عن أعمال صفد : «ومن أعمالها كفركنا ، وهي قرية كبيرة بها مقدمو العشائر ورؤساء الفتن والهوى ، يسمون قيس الحمراء ... ومن أعمال صفد مدينة اللجون وهي مضافة إلى العشير والهوى. واليمن أهل الناصرة ، كما أن أهل كفركنا هي قيس» (١٠٧).
ومثل هذا ما نلحظه لدى القاضي العثماني ، فقد قال أثناء حديثه عن الناصرة : «إن أهلها في هذا الزمن رأس عشير يمن ، كما أن أهل كفر كنا رأس عشير قيس» ثم قال : «وبكفر كنا مقدمو العشران أمراء طبلخانات ، وهم رأس قيس أهل فتن وأهواء» ووصف الوضع في اللجون بقوله : «وهو من عشير يمن ، وكذلك جميع مرج بني عامر» (١٠٨).
على هذا كان في نيابة صفد عدد من القبائل العربية انتسبت إما إلى قيس (عدنان) أو إلى يمن (قحطان) حسب القاعدة الموروثة في تاريخ العرب ، لكن شيخ الربوة والعثماني لم يعطيانا شيئا من التفاصيل عن أسماء كل مجموعة قبلية ، وإلى من انتسبت من قيس أو يمن عدا عن أماكن توطنها وأسلوب عيشها وإدارتها ومدى حجمها وقوتها ، ولعل سبب ذلك هو طبيعة النظام المملوكي وكون نشاط القبائل العربية كان محدودا لم يصل إلى مسامع مؤرخي السلطنة في مصر بل عرف به الشاميون فقط.