لكن هذه الصورة تبدلت مع مطلع القرن التاسع ه / الخامس عشر م ، حيث أخذت تتوفر لدينا معلومات أكثر تفصيلا ولا سيما حول عشيرتين هما : حارثة وبشارة ، وبتنا نقف على أخبار بعض مشاركاتهما لا سيما في عهد السلطان الناصر فرج بن برقوق ، أثناء الصراع بينه وبين شيخ المحمودي ، فلقد وجدت القوى المتصارعة أنها بحاجة إلى من يردفها ويقدم لها العون ، فأقبلت على تجنيد القوى البدوية ، ولنحاول إلقاء بعض الأضواء على هاتين المجموعتين الرئيسيتين :
(أ) حارثة : سلف وذكرنا أن قبيلة طيء كانت قد اتخذت من فلسطين ديارا لها ، ويبدو أن حارثة التي قطنت نيابة صفد كانت من طيء ، فهذا ما توحي به المواد التي أثبتها القلقشندي في كتابه قلائد الجمان في التعريف بقبائل الزمان (١٠٩). ويرجح أن حارثة قد كانت بين «عشير» جبال صفد واللجون وقاقون ، الذي تولى نهب القوات المملوكية المتراجعة أمام ضغط تيمورلنك سنة ٨٠٣ ه / ١٤٠١ م ، والذي أغار على الرملة ونهبها منتهزا فرصة الفوضى الناجمة عن حملة تيمورلنك (١١٠).
ووقع في هذا العام صدام بين حارثة وسلطات صفد المملوكية ، فقد أغارت حارثة بقيادة أميرها متيريك بن قاسم بن متيريك على صفد ، ونهبت أموالها وأموال الأمراء والجند والمماليك الذين فروا من دمشق إليها ، وفي تلك الآونة قدم إلى صفد الأمير دقماق المحمدي نائبا لها ، فهاجم متيريك فهزم من قبله مما دفعه إلى الاستنجاد بشيخ المحمودي ، وكان نائبا لطرابلس ، وهاجمت القوة المملوكية الموحدة متيريك ، فهزمته وقتلت عددا من أتباعه وأسرت اثنين من أولاده فقتلتهما ، وسلبت له ستة آلاف بعير ، وسمع بهذا الأمير جكم ، فكاتب النائبين يطلب منهما الصفح عن متيريك وإعادة ما نهب له ، ومعروف أن جكم كان آنذاك خارجا على السلطان ، ولا شك أنه كان متحالفا مع متيريك أو يهدف إلى التحالف معه (١١١).