وكان يفرق في كل سنة أربعة آلاف إردب حنطة في الفقراء ، والمساكين ، وأصحاب الزوايا وأرباب البيوت ، وكان موصفا عليه لأيتام الأجناد ما يقوم بهم على كثرتهم ، ووقف على تكفين أموات الغرباء بالقاهرة ومصر ، ووقفا يشتري به خبز ، ويفرق في فقراء المسلمين ، وأصلح قبر خالد رضياللهعنه بحمص ، ووقف وقفا على من هو راتب فيه من إمام ومؤذن وقيم ، وعلى من ينتابه من البلاد للزيارة ، ووقف على قبر أبي عبيدة ابن الجراح رضياللهعنه ، وقفا لتنويره وبسطه وإمامه ومؤذنه ، وأجرى على أهل الحرمين بالحجاز الشريف ، وأهل بدر وغيرهم ما كان قطع في أيام غيره من الملوك الذين تقدموه ، وكان يسفر ركب الحجاز كل سنة تارة عاما ، وتارة صحبة الكسوة ، ويخرج كل سنة جملة مستكثرة يستفك بها من حبسه القاضي من المقلين ، ورتب في أول ليلة من شهر رمضان المعظم بمصر والقاهرة وأعمالها مطابخ لأنواع الأطعمة ، وتفرق على الفقراء والمساكين.
وأما مهابته ومنزلته من القلوب أن يهوديا دفن بقلعة جعبر عند قصد التتر لها مصاغا وذهبا ، وهرب بأهله إلى الشام واستوطن حماة ، فلما نفد ما كان بيده كتب إلى صاحب حماة قصة يذكر أمر الدفين ، ويسأله أن يسير معه من يحفره ليأخذه ، ويدفع لبيت المال نصفه ، فلم يتمكن من إجابة سؤاله ، وطالع الملك الظاهر بذلك فورد عليه الجواب أن يوجهه مع رجلين لقضاء غرضه ، فلما توجهوا ووصلوا الفرات امتنع من كان معه من العبور فعبر هو وابنه ، فلما وصل أخذ في الحفر هو وابنه وإذا بطائفة من العرب على رأسه ، فسألوه عن حاله فأخبرهم ، فأرادوا قتله ، فأخرج لهم كتاب الملك الظاهر مطلقا إلى من عساه يقف عليه فكفوا عنه ، وساعدوه حتى استخلص ماله ثم توجهوا به إلى حماة وسلموه إلى الملك المنصور ، وأخذوا خطه أنهم سلموا اليهودي إليه سالما وما تبعه.
ومنها : أن جماعة من التجار خرجوا من بلاد العجم قاصدين أبواب