كلمة فارسية مركبة معناها محل المرضى ـ الأول (٥٩٥) أنشأه نور الدين محمود بن زنكي كما أنشأ غيره في الشام. وكان بيمارستان دمشق أعظمها وأكثرها خرجا ودخلا. قال صاحب الروضتين بلغني في أصل بنائه نادرة وهي أن نور الدين رحمهالله وقع في أسره بعض أكابر ملوك الإفرنج فقطع على نفسه في فدائه مالا عظيما فشاور نور الدين أمراءه فكل أشار بعدم إطلاقه لما كان فيه من الضرر على المسلمين ، ومال نور الدين إلى الفداء بعد ما استخار الله تعالى فأطلقه ليلا ، فلما بلغ الفرنجي مأمنه مات ، وبلغ نور الدين موت الفرنجي فبنى بذلك المال هذا البيمارستان ومنع المال الأمراء لأنه لم يكن عن إرادتهم. تولى بناءه كمال الدين الشهرزوري وكان الحاكم المتحكم في الدولة النورية بدمشق ، وهو الذي تولى بناء أسوارها وسنّ دار العدل لتنفذ أحكامه بحضرة السلطان فلا يبقى عليه مغمز وملمز.
وذكر ابن جبير أنه كان في القرن السادس بدمشق مارستانان قديم وحديث ، والحديث أحفلهما وأكبرهما وجرايته في اليوم نحو الخمسة عشر دينارا وله قومة بأيديهم الأزمة المحتوية على أسماء المرضى وعلى النفقات التي يحتاجون إليها في الأدوية والأغذية وغير ذلك ، والأطباء يبكرون إليه في كل يوم ويتفقدون المرضى ويأمرون بإعداد ما يصلحهم من الأدوية والأغذية حسبما يليق بكل إنسان منهم ، والمارستان الآخر على هذا الرسم لكن الاحتفال في الجديد أكثر. وأغلب الظن أن البيمارستان الكبير هو النوري ، والآخر غيره (١) (٥٩٦) كان في باب البريد وخدم في هذا رشيد
__________________
(١) قال الظاهري : وفي دمشق بيمارستان لم ير مثله في الدنيا قط. واتفقت نكتة أحببت ذكرها وهي أني دخلت دمشق في سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة وكان يصحبني شخص عجمي من أهل الفضل والذوق واللطافة ، وكان قاصد الحج في تلك السنة وألف مناسك الحج على أربعة مذاهب ، فلما دخل البيمارستان المذكور ونظر ما فيه من المأكل والتحف واللطائف التي لا تحصر قصد اختبار حال البيمارستان المذكور ، فتضاعف وأقام به ثلاثة أيام ورئيس الطب يتردد إليه ليختبر ضعفه ، فلما جس نبضه وعلم حاله وصف له ما يناسبه من الأطعمة الحسنة والدجاج المسمنة والحلواء والأشربة والفواكة المتنوعة ، ثم بعد ثلاثة أيام كتب له ورقة من معناها أن الضيف لا يقيم فوق ثلاثة أيام. وهذا في غاية الحذاقة والظرافة. وقيل : إن البيمارستان المذكور منذ عمر لم تطفأ فيه النار اه.