وكان أبو العلاء زار طرابلس قبل هذا التاريخ أي في أواخر القرن الرابع ، وانتفع بخزانتها وكتبها الموقوفة.
وكانت في الشرقية التي بجامع حلب خزانة كتب مهمة اسمها خزانة الصوفية. واتفقت فتنة في بعض أيام عاشوراء بين أهل السنة والشيعة ونهبت خزانة الكتب ، ولم يبق في خزانة الكتب إلا قليل. قال ابن العديم : وجدد الكتب بعد ذلك الوزير أبو النجم هبة الله بن بديع وزير الملك رضوان ثم وقف غيره كتبا أخر. وقد ذكر ابن سنان الخفاجي (٤٦٦) هذه الخزانة في قصيدته اليائية التي كتبها من القسطنطينية يداعب أحد أصدقائه قال فيها :
أبلغ أبا حسن السلام وقل له |
|
هذا الجفاء عداوة الشيعية |
فلأطرفن بما صنعت مكابرا |
|
وأبثّ ما لاقيت منك شكية |
ولأجلسنك للقضية بيننا |
|
في يوم عاشوراء بالشرقية |
حتى أثير عليك فيها فتنة |
|
تنسيك يوم «خزانة الصوفية» |
وقد ظلت هذه الخزانة في حلب عامرة إلى القرن السابع وهي مسبلة على المطالعة ، ولم يعلم هل كانت الخزانة المهمة التي أنشأها في حلب سيف الدولة بن حمدان وجمع فيها الأمهات الجيدة عامة للناس أيضا كخزانة الصوفية أم هي خاصة به وبجماعته في قصره ، وقد اشتهر عنه ولوعه بالكتب إلى الغاية. وناهيك بخزانة كان من جملة خزانها الخالديان الشاعران المشهوران. وربما ذهبت هذه الخزانة في هجمة الروم على حلب وتخريبهم قصر سيف الدولة.
وقلّت عناية الملوك بخزائن الكتب ، لما كثرت المدارس في هذه الديار في القرن الخامس «اكتفاء بخزائن كتب المدارس التي أثبتوها من حيث أنها بذلك أمسّ» ولم تكد تخلو مدرسة من المدارس في الشام من خزانة كتب. وكان لحلب ودمشق والقدس الحظ الأوفر من ذلك ، لو لم تنازعها طرابلس التي كان يراد من إنشاء دار الحكمة فيها نشر التشيع على ما يقال ، وساعد على كثرة الكتب في طرابلس ما كان فيها من معمل الورق الجيد. وقد عرفنا أن معامل الورق كانت تخرج الكاغد والقراطيس والطوامير الجيدة في طرابلس ودمشق وحلب ومنبج وطبرية وغيرها من المدن. ومن أشهر خزائن الملوك والأمراء في القرن السادس والسابع خزانة الكتب التي