في الخطوط الجيدة المنسوبة وغيرها كما قضت الآلة الكاتبة في الغرب وفي الشرق على الخط أيضا. ومن المؤلفين والكتاب اليوم من يملون على كتّابهم على تلك الآلة مباشرة أو يكتبون هم بأنفسهم عليها دون أن يتعبوا أناملهم بتنميق السطور ووضع الصفحات مما يفيد في الإسراع بالأعمال ، ويقضي على الفن والجمال. ولو لا الحرص المغروس في الفطر ما بقيت هذه البقايا التي نفاخر بها من عمل الأجداد ، وهي في نظر العقلاء أغلى من التبر والعسجد ، ولا سيما بعد أن سطت عليها كل يد أثيمة وأبيع من كتب الجوامع والمدارس بالألوف فسافرت عنا تنزل على الرحب والسعة على من يعرف قيمتها ويحسن تعهدها. والكتب كما قال أحد المولعين بها كالطيور لا تطلب إلا الهواء الطلق السالم من الشوائب. ولطالما انتقلت من يد إلى يد ومن جيل إلى جيل كما تتنقل الأعلاق النفيسة أو كما تتداول النقود والحليّ ولكن بتجلة وحرمة.
هذا وخير طريقة تحفظ بها ثمالة تركة السلف الصالح أن يعمد كل من حوت رفوفهم وقماطرهم كتبا إلى كتبهم المخطوطة فيودعوها في الخزائن العامة لأنها أقل عرضة للحريق والتلف ولكارث ووارث ، وأن يستعاض عنها بالكتب المطبوعة في الخزائن الخاصة ، وتجعل المخطوطات ملك الجماعات يرجع إليها العلماء والباحثون ، وتسبّل عليهم فتكون منهم على طرف الثمام ، وبذلك يزيد النفع منها ويحيا بالطبع والنشر ما لم تساعده الحال أن يعرف حتى الآن ، وبذلك تجتمع فائدتان فائدة الانتفاع وفائدة الحفظ ، كما فعل المصريون وحفظوا بقايا كتبهم في داري الكتب المصرية والأزهر وخزانة المجلس البلدي في الإسكندرية والجامع الأحمدي في طنطا. والله يرث الأرض ومن عليها.