جزيرة العرب وبقي أخوه إسحاق في تلك الأصقاع الموصوفة بأرض الميعاد ، إشارة إلى العهد الذي أعطاه الخالق سبحانه وتعالى خليله إبراهيم القائل بإعطاء الأرض الكنعانية على رحبها إلى نسله. وقد سميت بالأرض المقدسة أيضا عندما بدأ اليهود يحجون إلى الهيكل المقدس الذي بناه سليمان الحكيم. وقد كان بناء هذا الهيكل مدعاة لتمسك اليهود بهذه الديار ولعدم النزوح عنها إلّا لتعاطي التجارة لمن كان مكرها بحكم الضرورة على الإقامة موقتا في الأقطار المجاورة. وقد وجدت في الدهر الغابر آثار تاريخية كثيرة تدل على نزول اليهود حوران ودمشق وبلاد الفينيقيين الواقعة على شاطئ البحر المتوسط.
ومما لا ريب فيه أن اليهود قد أقاموا عصورا في القطرين اللذين دوختهما جيوش النبي داود وأعني بهما سورية وشمال ما بين النهرين. ولمّا أعمل نبوخد نصّر ملك بابل (٦٠٠ ق م) سيفه باليهود هاجر قسم منهم إلى فارس وآسيا الوسطى وآب قسم آخر إلى دمشق. وعادت البقية وعلى رأسها نحميا ودانيال وجددوا بناء الهيكل المقدس ولم يلبث أن جاء تيطوس الروماني (٧٠ ب م) وهدمه. وقد أعمل هو أيضا السيف برقابهم واضطرهم إلى النزوح إلى الأمصار البعيدة كاليونان والأندلس وشمال إفريقية. وقد روي عن بولس الرسول أنه حاول اقناع اليهود القاطنين في الشام لاتباع السيد المسيح والتدين بدين النصرانية ، وهذا مما يدل على وجودهم في تلك الأزمنة في هذه الديار.
ثم إن قائدي عساكر سيدنا عمر عندما فتحا الشام انتقيا نفرا غير قليل من اليهود والمسلمين الدمشقيين أرباب الصناعات والفنون الجميلة وجيء بهم بعد إلى بلاد بخارى فتوفروا على البناء المماثل تمام المماثلة للنسق الدمشقي من حيث طرز البناء ورسومه وأشكاله وأدواته حتى يخيل لمن يزور تلك الأصقاع أنه في سوق أو دار من أسواق الشام ودورها.
ثم إن نزول اليهود في دمشق منذ أمد بعيد مشهود ومحسوس من كنيس قرية جوبر التي تبعد بضع دقائق عن شرقي دمشق وقد جاء ذكره في التلمود الموضوع منذ أكثر من ألفي سنة وذلك بقوله بالحرف الواحد : «كنشتاديبه جوبر» ومعناه كنيسة جوبر القائمة إلى يومنا هذا والتي كانت مقرا للنبيين