الحرية سنة (١٩٠٨) انتقلوا إلى عكا وزاد أشياعهم قليلا وهم هنا قلائل ربما لم يتجاوزوا المائتين وهم على غاية من حسن الأخلاق وجميل المعاملة قلما شكا منهم إنسان أو اشتكوا هم من إنسان ، ولا تجد بينهم من لا يحترف حرفة ويعمل ويكد. ولا سيما رئيسهم الأخير عباس أفندي فقد كان محافظا على صلواته مع الجماعة لم يخرج في سمته عن روح الشرع الإسلامي. فإما أن يكون صادقا في إسلامه أو أنه عاش في تقية متقنة كما يعيش كثير من أرباب النحل الضعيفة بين المخالفين لهم من السواد الأعظم ، ولا سيما الشيعة بين ظهراني أهل السنة.
وكان عباس على علم وأدب إذا تكلم يمزج الفلسفة بالمنقولات فيتعذر على كل إنسان فهم كلامه ، وله خطب ومواعظ انطلق بها لسانه في سياحة له في أوربا وأميركا دامت خمس سنين ، ويؤخذ من مجموع أقواله أن البهائية أو البابية ترمي إلى تطبيق الشرائع السماوية على العقل وحلّ المشاكل القائمة بين أهل الأديان السماوية الثلاثة اليهودية والنصرانية والإسلام. وقال مرة : إن الباب صاحب المذهب كان يريد التوفيق بين السنة والشيعة. بل كان يرمي إلى وحدة العالم الإنساني ونشر السلام العام والتأليف بين قلوب البشر بقوة الدين وتحكيم العقل والعلم ، ونبذ التعصب الديني والجنسي والوطني والسياسي ، ونشر العلم وإنشاء محكمة عامة كبرى تفصل الخلافات التي تحدث بين الشعوب والدول ، وإلى تربية بني البشر على الفضائل الإنسانية وإلى إقامة القواعد الاقتصادية وتأليف لغة عامة تفهمها جميع الأمم.
ويقال على الجملة : إن التشيع كان منشأ البابية والإسماعيلية والنصيرية والدرزية. وكما كانت فارس مثابة كثير من أسباب المدنية الإسلامية كانت أيضا منشأ معظم ما تفرع من الإسلام من النحل والطرق الغريبة. ولو تسامح أهل هذه المذاهب في نشر حقائقها ، لما تقول عليهم المتقولون ، ولا رماهم المخالفون بما قد يكونون منه أبرياء. بقي أن يقال : إن في الشام مذهب اليزيدية عبدة الشيطان ، وممن ينتحلون هذه النحلة قريتان في ضواحي حلب ، ولما كانت جمهرة أهل مذهبهم في جبل سنجار من عمل الموصل لم نخصهم بمبحث خاص لأنهم لا يسترعون الانتباه ويتمثلون على الأغلب في سواد الأمة والله أعلم.