وسلمية ودمشق وعمان وجرش والقنيطرة ، أدخلوا إلى الشام بعض عاداتهم في تربية المواشي والفلاحة والصناعات الزراعية. ويغلب على الجراكسة الإمساك والتضامن لأنهم في حاجة إليه لدفع عادية البوادي عنهم ، ويغلب التدين على شيوخهم والشجاعة على شبانهم. وإذا أراد الشاب منهم أن يخطب فتاة خطفها من بيت أبيها مهما كانت منزلتها ومنزلته. ونساؤهم يظللن سافرات ما دمن أبكارا وعانسات ، حتى إذا تزوجن عمدن إلى الحجاب وابتعدن عن مجالس الرجال. والفتيات يختلطن بالفتيان ويغنين ويرقصن معا ويتسامرون ويتحدثون من دون نكير. ويقل فيهم تعدد الزوجات ، والمرأة الجركسية مثال المرأة الصالحة في تربية أولادها وإدارة شؤون بيتها.
وقد أخذ الصهيونيون في فلسطين يدخلون عاداتهم منذ كثر سوادهم فيها ، ولكن من الصعب أن يقتبسها السكان الأصليون لأنهم ينظرون إليهم نظر أعداء ، وإن كان في عاداتهم الجميل جدا كحب النظام والترتيب والنظافة والاقتصاد ، وتجويد الأعمال الزراعية على اختلاف ضروبها. وكذلك الحال في المهاجرين من الأرمن الذين تسربوا من الشمال وامتدوا إلى الجنوب قليلا وإلى الغرب ، فإن من عاداتهم ما هو المعقول ، وهو تضامنهم إلى ما لا حد له ، واقتصادهم ومهارتهم في التجارة والصناعة ، بيد أنهم لا يمتزجون بالشاميين ويريدون كالصهيونيين أن يعاملوا أهل القطر ليربحوا منهم فقط ، لا لتكون بينهم المنافع مشتركة كما هو الحال بين أبناء هذا الوطن الواحد على اختلاف نحلهم ، وعلى كثرة ما يوقد الواقدون من الرؤساء المتعصبين من جذوة التعصب ، يوشكون أن يقاطعوا غير أبناء جنسهم ، ولكن السواد الأعظم إذا عاملهم بالمثل وعمدوا إلى مقاطعتهم لا يبقى أمامهم سوى الرحيل.
وأهل دمشق وحلب بل وأكثر المدن الداخلية من أشد الشاميين محافظة على عاداتهم وأخلاقهم ، ولهم غرام إلى اليوم بالتلقيب بألفاظ التشريف ، واستعمال الألقاب الضخمة ، راجت رواجا كثيرا على آخر عهد الترك العثمانيين ، لأن رتبهم وألقابهم مما كانوا أسرفوا في منحه للرفيع والوضيع ، فصار أهل الطبقتين الوسطى والدنيا لا يتخاطبون إلا بلقب «باشا» أو «بك» أو «أفندي» و «دولتك» «عطوفتك» «سعادتك» «سماحتك» «فضيلتك»