لأن منها من يزرع الأرض ، ومن أفلح في الفلاحة ، وأيقن على الأيام أن العيش الثابت خير من المتقلقل ، وأن من يدفع للدولة أجرة حمايته ، أهنأ بالا ممن يتكل في حمايته على نفسه وسيفه وعصبيته.
وهكذا يقال في عرب الغياث والعمور في اللجا والصفا ، وعرب العدوان والأيديات والعباد والمشالخة والحمايدة والشوابكة والدعجة والعجارمة والنمر والكايد في أطراف عمّان والصلت ومادبا ، والخرشان والجبور في الموقر والعليا والنقيرة ، وبني حميدة والسليط والحجايا والحباشنة والصرايرة والطراونه وكثر ربة والمعايطة والمجالي والمدانات في أرجاء الكرك ، والحويطات والدمانية وأبي تايه والمطالقة والنعيمات والديابات وبني عطية في جهات معان ، وعرب الشرور وبني عطا والهلالات والعبيدية والعلايا في وادي موسى وجبال الشراة ، والحميدات وعبدين والبحارات والكلالدة والوهبيات والمناعين في الطفيلة ، فإن كثيرا منهم يزرعون الأرض ، ويقومون على تعهد الماشية ، وقد يبعدون في الانتجاع ثم يعودون أدراجهم.
وعلى مثل هذه الحال عشيرة العمور في أرجاء تدمر وعشائر بوشعبان في السخنة والجبور في البوكمال والكعيدات في الميادين ودير الزور وغيرهم من العشائر النازلة على شط الفرات الغربي ، فإنها كلها نصف متحضرة وبقليل من العناية تدخل في المدنية وتترك عاداتها وشقاءها ، ويسوغ لنا أن نستنتج أن البادية حتى أكثرها إيغالا في البداوة يمكن تحضيرها إذا أكرهت على التحضر خلافا لما يذهب إليه بعض أهل الغرب. وفي الشام قبائل من البدو مثل عرب الروالة من عنزة وهم لا يقلون عن عشرين ألف نسمة ، يتنقلون أبدا كالنور أو الغجر كل مدة في ناحية ، ولا ينزلون المدن إلا لابتياع حاجاتهم وبيع جمالهم وأصوافهم وألبانهم. والنور جيل منحط من الناس يرتحلون كالبدو ويعملون الأعمال الخسيسة ، ولذلك يحتقرهم جميع أصناف العالم من أهل المدن والقرى والبدو ، وهم قلما تخلو منهم بلد ومنهم عدد كبير في أوربا.
ولا تختلف عادات العشائر لأنها كلها في حالة أولية فطرية هدتهم إليها الحاجة إلى الحياة ، فعشائر ولد علي والسرحان والمعجل والسردية والنعيم