من أحد أبناء السبيل في البرية سرق منه ماله وثيابه أو هميانه ودابته ، وندر أن يقتله فشأنه شأن معظم البشر عبد القوة لا يحاذر غيرها. ولطالما كان الجنود الشاميون أيام كانوا يفرون على عهد الترك من اليمن تطيل البادية عليهم أيدي الاعتداء تارة ويكسونهم ويطعمونهم تارة أخرى ، وهكذا كان الفار يعرى ويكتسي مرارا حتى يصل إلى المعمور من دياره.
وماذا يعمل البدوي وماشيته ترعى أمامه ، وكيف يصرف ليله ونهاره ، وكيف تطيب له الحياة في الصيف والشتاء ، وهو معرض لأشد الحرارة وأشد البرودة ، وخائف على الدوام يترقب غزوة خصمه وقبيله الذي يعاديه؟
لا جرم أن البدوي ، وهو بذكائه وفراسته معروف موصوف أكثر من الفلاحين أهل القرى ، يعرف من الأخبار التي تهمه من أنباء العالم ما ينبغي له الإحاطة به ، ويتناقله بسرعة البرق ، حتى إن ما يحدث في الحجاز أو العراق ، يصل خبره إلى ابن بادية الشام وما وراءه من العرب ، قبل أن تصل السيارة والبريد ، فينتقل الخبر في الأفواه من فم إلى فم ، ويسمون الأخبار «العلوم» وأول ما يسأل البدوي في البادية أو المعمورة عن العلوم. وإذا لم يكن عند البدوي ما يتسلى به من القصص والأخبار التي تكون في العادة نمطا واحدا يأخذ شاعر القبيلة ربابه يضرب عليها ، ويفكههم من نظمه أو من محفوظه بأشعار. وفي الغالب أن يكون ما ينشدهم إياه بلهجتهم التي يألفونها. ويحتوي على الأكثر الحماسيات وأخبار الغزاة والغزوات وأيام الشجعان وحوادث الكرماء والضيفان. والرقص معروف عندهم وهو الدبكة أو السحجة يرقص في الغالب الفتيان والفتيات ، دون الرجال والنساء المتزوجات. ومهور النساء غالية في بعض العشائر ، وتكون من الجمال والشياه غالبا لا من النقود لقلة تداول النقد بينهم فهم يتقايضون الحاصلات ، كما يتقايضون البنات بالحيوانات. والبدوي يخصب إن جادت المراعي من خيرات السماء ، وإلا فقد أترب وأجدب ، ونفقت دوابه فأعوزته اللقيمات.
ويجلس الرجال في العراء في خيمة مضروبة تكون في الغالب خيمة الشيخ أو الغني ، يتعاطون قهوة البن وهم يجيدون طبخها لفراغهم وتوفرهم على معالجتها. وقد يستغني البدوي عن الأكل أو يقلل منه كثيرا ، ولكنه لا