حصة ضئيلة في المجتمع الإسلامي ولا يؤاخذ الإسلام بانحطاط أهله وما المؤاخذ إلا من أخذوا على أنفسهم عهدا بأن يطبقوا مفاصله فأهملوا واجبهم ، ولو كان الدين عاملا من عوامل سقوط أمة ما كانت اليابان وهي تدين بالبوذية في مقدمة أمم الأرض علما وعمرانا.
ولا مشاحة في أن من طبقة الدينيين فئة صالحة ، ولكنها كانت في كل عصر تلقي الحبل على الغارب لغلبة اليأس عليها ، وهناك فئة أشد تأثيرا وظهورا وهي التي طالما قدمت وأخرت وباعت من هذه الأمة المسكينة ما شاءت وشاءت منافعها ودارت في كل دور مع مطامعها كيف دارت. إلا أن الدهر عاقب هذه الطبقة بما احتقبته من الكبائر ، فضربها ضربة آذنت بانقراضها لأنها لم تجار الزمن في نشوئه ، كأن تكون مثال الفضائل تربأ بأنفسها عن الغيبة والنميمة وتتشرب أفئدتها حب الصدق والصدع بالحق وتتحامى مزالق التغرير والتضليل وتحضر وكدها في واجبها من إرشاد العامة من طريق العلم الصحيح ، في زمن اشتد فيه النزاع بين القديم والحديث ، أو بين الدين والإلحاد ، وتجلى الانتقال في كل مظاهر الحياة. وما زالت هذه الفئة تحاول أن تسترد بالثرثرة والتبجح مجدا زائلا ، وهي في حالة المحتضر لا تبدئ ولا تعيد. وما تحدثت أن تخرج من جهالتها ، وتتطور بطور العصر ، وتأخذ بحظ من العلم الديني والمدني ، وتتحلى بشيء كثير من مكارم الأخلاق.
كان أحد أفراد هذه الطبقة أبلى في الدعوة الدينية بلاء حسنا ، ورزق قلما ماضيا ، وعزما مؤاتيا ، واستعد للنزول والنزال في ميدان دعوته ، يحمل أكثر أدواتها. وما عتم أن ترك ما هيأته الفطرة له وأكسبته إياه التجربة وطول المدة وحاول بلوغ مظهر جديد اعتقد أنه جماع المظاهر ، وهو لم يتمرس بآدابه ، ولا عرف مداخله ومخارجه ، وغلبه حب الشهرة فادعى ما لم يخلق له ولا تخلّق به ونسي الغرض الذي يضطلع به ، وراح يستغل موضع الضعف من فطرته ولا يعتمل فيما يرجى فيه كماله ، ترك سيرته الأولى وهام بمظهره الثاني ، زهد فيما يحسن وحاول التلبس فيما لا يحسن. وغريب من إنسان لم يقنع بمنزلة طيبة وضعته فيها بيئته وتربيته ، ويجاهد جهادا آخر في ساحة الوغى ولا سلاح معه يستخدمه ، ولا آلة من أدوات الحرب يتقنها. الذكاء