وأهم ما أولعت بمطالعته ـ بعد درس المطبوع من كتب الأدب العربي وجانب من المخطوط الذي عثرت عليه ـ كتب الفلاسفة وعلماء الاجتماع ، وأصول الشعوب ومدنياتهم. وطالعت بالإفرنسية أهم ما كتبه فولتير وروسو ومونتسكيو وبنتام وسبنسر وفوليه وتين ورنان وسيمون وبوتمي ولافيس وهانوتو وبوترو ولوبون وبرونتيروبثي دي جولفيل ولمتر وسانت بوف ، وتدارست المجلات الفلسفية الاجتماعية والتاريخية والأدبية باللغة الفرنجية.
وجريت منذ نشأت على قاعدة مطردة لم أتخلف عنها قيد شبر ، وهي أن أقرأ أكثر مما أكتب ، وقلما دوّنت موضوعا لم أدرسه في الجملة ولم تتشربه نفسي. وعهد إليّ سنة (١٣١٥ ه). بتحرير جريدة «الشام» الأسبوعية فحررتها ثلاث سنين كانت مدرستي الأولى في الصحافة. وساعدتني فيها معرفة التركية والإفرنسية. ثم دعيت إلى. المؤازرة في مجلة المقتطف المصرية أكبر مجلاتنا العربية. فنشرت فيها أبحاثا جمة في التاريخ والاجتماع والأدب مدة خمس سنين فبدأت لي شهرة في عالم الأدب العربي لمنزلة هذه المجلة إذ ذاك بين أبناء اللغة العربية ، وكثرة من تقع تحت أنظارهم من العلماء والأدباء والباحثين. وفي عام (١٩٠١ م) هبطت مصر للسياحة بقصد الذهاب إلى باريز للدرس ، فعرض عليّ صاحب جريدة «الرائد المصري» نصف الأسبوعية أن أحرر في جريدته ، فلبيت الطلب متكارها ، إذ كانت عاقتني عن العودة إلى الشام أمور قام بها المشاغبون المتجسسة في دمشق. واتهموني تشفيا بأمور هي من المحرمات في عرف الحكومة العثمانية ، ثم رجعت إلى الشام بعد عشرة أشهر. ومن أعظم ما استفدته من رحلتي هذه الأخذ عن عالم الإسلام والإصلاح الشيخ محمد عبده وحضور مجالسه الخاصة والعامة.
وفي شتاء سنة (١٣٢٣) فتشت الحكومة العثمانية داري في دمشق بحجة أنه علقت مناشير في شوارع البلدة مكتوبة بلغة سلسة ، وفيها مطاعن في أحد الأعيان والوالي ، ومثل هذه العبارة وهذه الأفكار لا يحسنها ولا يعرفها غيري! فظهر للحكومة افتراء المفترين واكتفت بأن شردتني أياما عن داري. وفي هذه الوقعة نظم صديقي العلامة الأمير شكيب أرسلان قصيدة ارتجالية يداعبني بها ، ويصف ما حل بي مجسما قال سامحه الله :