الطاعنين في وقت من الأوقات. اللهم إلا إذا كان هنالك تحريف لحقيقة وطنية أو قضية علمية ، فأذكر الواقع بدون اسم المتحامل المخالف. وقد وقع مرة لمجلة ألبسها أصحابها ثوب الدين ، أن سلخت نحو ثلاث سنين تكتب فيّ المقالات والقطع الصغيرة فلم أجبها ، ولم أقرأ أكثر ما كتبت ، حتى إذا نضبت مادتها من المال والقول ، أجبتها بمقالة نشرت في كتاب «القديم والحديث» باسم «الإصلاح» وهي من المقالات التي لم تخل من حدة.
أعشق النظام والتدقيق ، وأحب الحرية والصراحة ، وقد أولعت بالتجدد ، ومن عادتي أن أقف بمعالجته عند حد لا أتعداه إلى هدم أصل من الأصول المقدسة ، وأدور من الإصلاح التدريجي العلمي في دائرة لا تتعدى الثورة في الأفكار ، أجاهر في الحق ، وأطعن في المنافقين وأتجهم لهم ، وأجبه المرتشين والمخربين ، لذلك يكثر أعدائي من أهل هذه الطبقة. ولطالما كادوا لي وآذوني في مادياتي فلذ لي عملي ولم تسؤني نتائجه. أخلص للصاحب وأخدمه خدمة خالصة ، وأغار على مصلحته. وربما أرفعه فوق قدره ، حتى إذا بدرت منه بادرة سوء نحوي أو نحو المجتمع ، ألوي وجهي عنه آخر الدهر. ولطالما آخذني بعض أصحابي على أسداء المعروف إلى من هم أول من ينكرونه ، وإسراعي إلى تصديق من حولي ، في زمن يكذب فيه معظم أهله ، دعاني إلى الإحسان إلى أناس ليسوا أحرياء به ، وإلى الأخذ بأيدي فئة كان الأولى لهم أن يظلوا مغمورين ، ومعظمهم كانوا لمقاصد لهم يتخيلونها أول من حملوا عليّ وعادوني ، فكان الجواب ، أني أحمل الناس على محمل الخير ، فإذا ظهرت تربيتهم الحقيقية ، وتبين أني كنت مغرورا بهم كان جزاؤهم الإعراض ، وهل يجوّز العقل أن تعض الكلب الذي يعضك ، والحيوان المفترس الذي يحاول إهلاكك ولو أطعمته وسقيته.
أكره الفوضي وأتألم للظلم ، وأحارب التعصب ، وأمقت الرياء ، وإذا حاربت لأجل المظلومين ، وهاجمت طغمة المتعصبين ، فإنما أحارب وأهاجم بذوق وفهم على الأغلب ، وأميل إلى الشدة ، وقد تكون إلى الإفراط أحيانا ، لتفعل البلاغة فعلها في عقول من يراد إرشادهم أو إسقاطهم ، وتنقبض نفسي منذ الصغر من غشيان المجالس والمجتمعات الغاصة بأنواع الناس ، وأحرص على الوقت فلا أكاد أنفقه إلا لمنفعة عامة أو خاصة اه.