الأمة أن تمكنها من أن تتعلم كل ما يصلح لها في دينها ودنياها. وواجب عليها أن تبذل جهدها في سبيل هذه المعرفة ، ولا يجب عليها أن تسأل في ذلك عما تجهل وأن تناقش فيما لا تقتنع به مما تسمع ومما هي في حاجة إليه من العلوم والمعارف. ولها في ذلك أسوة ببعض نساء السلف إذا اعترضت إحداهن على عمر وقد كان يخطب الناس في المسجد ينهاهم عن المغالاة في المهور فقالت : أيعطينا الله ويمنعنا عمر؟ تشير إلى قوله تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) ، وفي هذا يروي ابن أبي يعلي عن مسروق أن عمر لما راجعته تلك المرأة بعد ما نزل من المنبر قال : كل الناس أفقه من عمر ثم صعد المنبر فقال : كنت نهيتكم أن تزيدوا على أربعمائة ، فمن طابت نفسه فليفعل ، كل هذا لائق بالمرأة وهو كما قلنا حق لها وواجب عليها لكنه لا نسبة له بما تطالب به اليوم من الولاية العامة وما تدعيه من حق الاشتراك في الانتخاب.
وفي رأينا أن مبايعة النساء للرسول صلى الله عليه وسلم إن دلت على شيء يصح التمسك به في المسألة الحاضرة فذلك هو التفرقة في الأعمال بين ما ينبغي أن يكون للرجال أو للنساء ، فهي حجة على أنصار دعوى المساواة بين الرجل والمرأة وليست دليلا لهم ، ذلك أن مبايعة النساء هذه كانت عقب فراغ النبي صلى الله عليه وسلم من مبايعة الرجال عند الصفا يوم فتح مكة. فقد بايع هؤلاء الرجال أولا ولكن على ماذا؟ على الإسلام والجهاد. فإن هذا الأمر الذي يليق بهم وينتظر منهم. كما بايعهم قبل ذلك في الحديبية سنة ست من الهجرة على ألا يفروا من الموت ، وكما بايع نقباء الأنصار في منى قبل الهجرة على السمع والطاعة والنصرة وأن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم.
أما مبايعة النساء فكانت على ما قدمنا مما وردت به الآية الكريمة من سورة الممتحنة. ولله الحكمة البالغة ، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. إذا