وحرص الخليفة المعز الفاطمي كذلك على تكليف كبار العلماء بإقامة حلقات علمية في أروقة الأزهر لتدريس الفقه الفاطمي ، وكان يمنحهم مرتبات شهرية ، ومن ثم صار الأزهر جامعة علمية ، وظهر ذلك جليا واضحا حينما بدأت حلقاته تتحول إلى دراسات جامعية علمية مستقرة ، وذلك عام ٣٧٨ ه ـ ٩٨٨ م حيث استأذن ابن كلس الخليفة الفاطمي العزيز بالله (٣٦٥ ـ ٣٨٦ ه) في أن يعين بالأزهر جماعة من الفقهاء للقراءة والدرس من كل جمعة يعين بعد الصلاة حتى العصر ، وكان عددهم ٣٧ فقيها
وفي عام ٣٨٠ ه ـ ٩٩٠ م رتب المتصدرون لقراءة العلم بالأزهر ؛ وبذلك استكمل الأزهر صبغته الجامعية ، وأصبح معهدا جامعيا للعلم والتعليم والدراسة. ومن هذا التاريخ بدأ الأزهر حياته العلمية الخصبة المنتجة.
واستمرت الحركة العلمية والدينية في الأزهر قوية مزدهرة طيلة العصر الفاطمي ، ووقفت عليه الدولة الأوقاف الضخمة ، وأحاطته برعايتها واهتمامها ، وكان في مقدمة وأوائل أساتذته المدرسين فيه بنو النعمان قضاة مصر.
وأول درس ألقي في الأزهر كان في صفر ٣٦٥ ه في نهاية حكم المعز لدين الله ، ألقاه قاضي القضاة أبو الحسن علي بن النعمان ، حيث قرأ فيه مختصر أبيه في فقه آل البيت المسمى «الاقتصار» وحضره العلماء والأمراء ، وأثبتت أسماء الحاضرين في سجل خاص أما دروس ابن كلس فبدأت في رمضان عام ٣٦٩ ه ، ولكن جهوده في سبيل تطوير الدراسة في الأزهر كانت سابقة على هذا التاريخ.
ولما أنشأ الحاكم الفاطمي دار العلم (دار الحكمة) لم تزدهر إلا قليلا ، وبخاصة في عصر الحاكم نفسه. وبقيت للأزهر منزلته العلمية الرفيعة ، وقصده الطلاب من كل مكان ، وكان العالم يفخر بأنه أحد أساتذته