فالمسجد الحرام في مكة ، والمسجد النبوي في المدينة ، والجامع الأموي في دمشق ، وجامع الفسطاط وجامع القيروان ، ومسجد البصرة الجامع ، ومسجد الزيتونة ، ومسجد قرطبة الجامع ، ومسجد القرويين بفاس ، والأزهر ، وسواها ؛ كلها كانت مأوى الحلقات العلمية الجامعية في تاريخ الإسلام ، والجامعة كذلك نسبة إلى الجامع بمعنى المسجد ، وفي ذلك تفسير واضح لصلة المسجد بالثقافة ، ولأهمية الثقافة في الإسلام.
ـ ٢ ـ
والأزهر ، أو جامع القاهرة ، كما كان يقال ، هذا المسجد الجامعي ، قاهري البيئة ، فاطمي التأسيسي ، أنشأه جوهر العقلي قائد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي ، بعد قيام دولة الفاطميين في مصر بنحو عام ، وقد شرع في بنائه يوم السبت لست بقين من جمادي الأولى سنة ٣٥٩ ه ـ ٩٧٠ م ، ويذكر بعض المؤرخين أنه شرع في بنائه يوم السبت الرابع من رمضان من العام نفسه ؛ وكمل بناؤه لسبع خلون من رمضان عام ٣٦١ ه ـ ٢٢ يونيو ٩٧٢ م. وكان الغرض من إنشائه أن يكون رمزا للسيادة الروحية للدولة الفاطمية ، ومنبرا للدعوة التي حملتها هذه الدولة الجديدة إلى مصر ، وأطلق عليه اسم الأزهر نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء التي ينتسب إليها الفاطميون ، أو لأنه كان يحيط به قصور فخمة تسمى الزهراء ، أو لأنه كان يظن أنه أكثر الجوامع فخامة ورواء ، أو للتفاؤل بأنه سيكون أعظم المساجد ضياء ونورا. وقد احتفل بافتتاحه في رمضان عام ٣٦١ ه ، وأصبح مسجد الدولة الرسمي.
وقد حرص وزير المعز والعزيز يعقوب بن كلس على أن يقيما حلقة علمية في الأزهر ، حيث كان يقرأ على الناس في مجلس خاص يوم الجمعة مصنفاته في الفقه الفاطمي ، كما كان يجتمع يوم الثلاثاء بالفقهاء وجماعة المتكلمين وأهل الجدل.