القيرواني». وقد توفى عقب فترة وجيزة من وصوله إلى فاس. وخلف ثروة طائلة لابنته «فاطمة أم البنين» وشقيقتها «مريم».
وعقدت الشقيقتان العزم على إنفاق جزء كبير مما ورثتاه عن أبيهما في بناء مسجد يخلد اسم أسرتهما واسم البلاد التي نزحتا منها. وكان من أهم الدوافع لهما على ذلك علمهما بحاجة الناس الملحة في كل «عدوة» من فاس إلى مساجد يؤدون فيها الصلاة ، نظرا لضيق المسجدين القديمين القائمين فيها بالناس.
ولم يطل تفكير الشقيقتين ، فشرعت «مريم» في بناء مسجد «الأندلس» في شرق المدينة. وبدأت «فاطمة» في بناء مسجد «القرويين» في جنوبها. وكان ذلك في يوم سبت ـ وهو يصادف غرة رمضان من سنة ٢٤٥ الموافق ٣٠ نوفمبر من سنة ٨٥٩ وهو المسجد الذي عرف بعد ذلك باسم «جامعة القرويين».
ولقد كانت الطريقة التي سلكها البناءون في البناء أنهم التزموا أن يأخذوا كل حاجاتهم من الرمال والحجارة من نفس البقعة دون غيرها. كما أنهم عثروا على عين ماء غزيرة تجاور الموقع الذي اختير لإقامة المسجد. وكان ذلك كله تحريا من المشرفين على البناء كي لا تدخل في بناء المسجد شبهة ـ على ما يقول «ابن أبي زرع» في كتاب «الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى». وظلت «فاطمة» صائمة منذ أن شرع في بنائه ، إلى أن تم واكتمل وأقيمت فيه الصلاة.
وقرويين الأمس ، ليست هي قرويين اليوم ... إذ لم تكن القرويين عند نشأتها الأولى ، تشتمل إلا على أربع صحون وعلى محراب وفناء غرست فيه بعض الأشجار .. وحينما بنيت لم تكن بها حلقات للدرس كما أصبحت فيما بعد ، بل كانت مجرد مسجد يحضره الناس الذين يؤدون فيه صلاة الجمعة ، وكانت الفكرة في إنشائها ـ كما يروي «أبو الحسن علي