ومسلميها ، لاحباط الدسائس البريطانية التي حيكت للتفريق بين العنصرين : أما نفوذ الأزهر في الأقطار الإسلامية فليس من نوع ذلك النفوذ الغامض البعيد ، الذي يتمتع به الأزهر بفضل مهابة اسمه وجلال مركزه فحسب ، بل إن له في تحقيقه وسائل حية ، وأدوات ناطقة. نعم ، أليس للأزهر ممثلوه في أقطار الإسلام ، ولتلك الأقطار ممثلوها فيه؟ أو ليس هؤلاء الممثلون من الجانبين هم حلقة الاتصال المتبادل الذي يحفظ وينمي هذه العلاقات الوثيقة بين الطرفين في مختلف النواحي الثقافية والأدبية والروحية؟
فأما من أحد الجانبين ، فإن الدولة الإسلامية لا تفتأ تلتمس من الأزهر في كل عام ، عددا من علمائه ليبصروا شعوبها بحقائق الإسلام ، أو ليكونوا أعضاء في هيئات التدريس في جامعاتها ومعاهدها ، ولا يسع الأزهر إلا أن يرحب دائما بندائهم فلا يرد لهم ملتمسا. وقد بلغ الآن عدد المندوبين من علماء الأزهر في خارج القطر ١٢٥ مدرسا في الأقطار الممتدة من جزائر الفيليبين إلى مملكة ليبيا. بل إن الدول الغربية قد أفادت من نظام الانتداب المذكور ، سواء لتغذية جامعاتها ، أو لإدارة مراكز الإسلام الثقافية فيها. وما نحن أولاء نرى من أساتذة الأزهر مندوبين بالفعل في «لوندره» و «واشنطن» و «سان فرانسيسكو» وقد نرى قريبا وصول هذا المدد إلى «باريس» أيضا ...
ونعود إلى الأقطار الإسلامية فنقول : إن صلتها الوثيقة بالأزهر تقوم ـ من جهة أخرى ـ على تلك الألوف من شباب المتعلمين الوافدين منها ، والذين يتبناهم الأزهر فيطبعهم بطابعه ، ويصنعهم على طرازه. وإن الحفاوة التي يقدمها لهم لمفعمة بأنواع الكرم والضيافة. فهو يؤويهم بالمجان ، ويمنح كلا منهم شهريا مقدارا من المال كافيا لمعيشته ، وعلى الرغم من زيادة عددهم عاما بعد عام ، فإن هذه المرتبات يجدونها مكفولة لهم على الدوام ، كما أن الجامعة تهيء لهم في أثناء العام رحلات مدرسية بالمجان