بمصر ، ثم انتصابه بجامع الزيتونة محدثا ومدرسا في منتصف القرن الثاني (١) حلقة أولى في سلسلة من الاتصالات العلمية ، ظهرت في مصر القديمة ثم امتدت إلى القاهرة وأزهرها ، وارتبطت بها حلقات كان منها ما هو واضح إشعاعا ، وأتم ظهورا. فالإمام سحنون : عبد السلام بن سعيد التنوخي (٢) ، والقاضي أسد بن الفرات ، بعد أن تخرجا بابن زياد في تونس بجامع الزيتونة ، قد شدا الرحلة إلى مصر. فأخذا عن ابن القاسم ، وأشهب ، وابن وهب ، وابن الحكم ، وتكونت بذلك المدونة ، فكانت أصل المذهب المالكي ، وانعكست الرحلة من القيروان على مصر ، وتتابع العلماء من تونس والقيروان وغيرهما من البلاد الإفريقية ، على الرحلة إلى مصر يسمعون ويهتفون ، مثل : عبد الله بن أحمد التميمي ، نسيب بني الأغلب ، وحمد يس الأشعري ، والقاضي عيسى بن مسكين ، وجبلة بن حمود ، وغيرهم من أهل القرن الثالث الذين أخذوا في مصر عن بني عبد الحكم ، ويونس بن عبد الأعلى ، وابن المواز ، على ما فصله القاضي عياض في «المدارك» ومن بعده في كتب الطبقات.
وقامت الدولة العبيدية في أواخر القرن الثالث ، وكان الاتصال بين علماء تونس وعلماء مصر ، مقويا أهل السنة ، ولا سيما المالكية بتونس وبمصر ، وبدأ العبيديون يحاولون إغراء العلماء بموالاتهم.
نقل عياض في المدارك عن أبي الحسن القابسي : «أن المعز الفاطمي أرسل قبل دخوله مصر إلى أبي إسحاق بن شعبان صلة من مائة مثقال وكتابا ، فقرض ابن شعبان من الكتاب «بسم الله الرحمن الرحيم» وأحرق باقيه في الشمعة أمام الرسول. ورد المائة عليه.
__________________
(١) الديباج لابن فرحون ص ١٩٢ ط السعادة وأعلام الفكر الإسلامي في تاريخ المغرب العربي ص ٣٧.
(٢) الديباج ٩٨ و ١٦٠.