عن «السلام الشامل» و «الأمن العالمي الكامل» لا حلما من نسيج الأوهام ، ولكن حقيقة حية صالحة للبقاء.
ـ ٨ ـ
ويرى مصطفى صادق الرافعي أن أول شيء في رسالة الأزهر في القرن العشرين عنده ، أن يكون أهله قوة إلهية معدة للنصر ، مهيأة للنضال ، مسددة للإصابة ، مقدرة في طبيعتها أحسن تقدير ، تشعر الناس بالاطمئنان إلى عملها ، وتوحي إلى كل من يراها الإيمان الثابت بمعناها ، ولن يأتى لهم هذا إلا إذا انقلبوا إلى طبيعتهم الصحية ، فلا يكون العلم تحرفا ولا مهنة ، ولا يكون في أوراق الكتب خيال ... بل تظهر فيهم العظمة الروحانية آمرة ناهية في المادة لا مأمورة منهية بها ويرتفع كل منهم بنفسه ، فيكون مقرر خلق في الحياة قبل أن يكون معلم علم ، لينبث منهم مغناطيس النبوة يجذب النفوس بهم أقوى مما يجذبها ضلالات العصر ، فما يحتاج الناس في هذا الزمن إلى العالم ـ وإن الكتب والعلوم لتملأ الدنيا ـ وإنما يحتاجون إلى ضمير العالم ، وقد عجزت المدنية أن توجد هذا الضمير ، مع أن الإسلام في حقيقته ليس شيئا إلا قانون هذا الضمير ، إذ هو دين قائم على أن الله لا ينظر من الإنسان إلى صورته ولكن إلى عمله ، فأول ما ينبغي أن يحمله الأزهر من رسالته ضمائر أهله.
والناس خاضعون للمادة بقانون حياتهم ، وبقانون آخر هو قانون القرن العشرين ... فهم من ثم في أشد الحاجة إلى أن يجدوا بينهم المتسلط على المادة بقانون حياته ليروا بأعينهم القوى الدنيئة مغلوبة ، ثم ليجدوا في هذا الإنسان أساس القدوة والاحتذاء فيتصلوا منه بقوتين : قوة التعليم وقوة التحويل .. هذا هو سر الإسلام الأول الذي نفذ به من أمة إلى أمة ولم يقم له شيء يصده إذ كان ينفذ في الطبيعة الإنسانية نفسها.
ومن أخص واجبات الأزهر في هذا القرن العشرين أن يعمل أول شيء