فقد أتيح لابن السبكي من خلال مشاركته في الحياة العامة ـ مدرسا وخطيبا وقاضيا ـ أن يرى وبحس مدى التمزق الذي شمل الأمة نتيجة للحكم المملوكي البغيض ، الذي نبتت فيه فكرة «تركي وفلاح». والذي استأثر فيه المماليك بالمناصب الكبرى ، وتركوا أصحاب الأرض الحقيقيين يشربون العرق ويقتاتون السهد. وقد وضع ابن السبكي كتابه هذا ردا على سؤال ورد عليه ، أو وضعه هو بين يدي كتابه ، موضوعه : «هل من طريق لمن سلب نعمة دينية أو دنيوية إذا سلكها عادت إليه ، وردت عليه» وأجابه عن هذا السؤال راح ابن السبكي ينقد بقسوة وصراحة طوائف الأمة ، ابتداء من السلطان إلى أرباب الحرف ، آخذا في طريقة نواب السلطان والقضاة والمدرسين ورجال الدين من العلماء والصوفية.
استمع إليه يلخص رأيه في الأتراك عموما ، فيقول : «وقد اعتبرت كثيرا من الأتراك يميلون إلى أول شاك ، وما ذاك إلا للغفلة المستولية على قلوبهم» ثم يسخر من هؤلاء الأتراك وتعلقهم من الإسلام بالمظاهر الفارغة ، فيقول : «وأما أنك ترتكب ما نهى الله عنه وتترك ما أمر به ، ثم تريد أن تعمر الجوامع بأموال الرعايا ، ليقال : هذا جامع فلان ، فلا والله لن يتقبله الله تعالى أبدا». ثم يتكلم عن السلطان ويحدد اختصاصاته فيقول : «إن الله لم يوله على المسلمين ليكون رئيسا آكلا شاربا مستريحا ، بل لينصر الدين ويعلي الكلمة». وحين يتحدث عن العلماء والمفتين يأخذ على بعض هؤلاء وأولئك تعصبهم لمذاهبهم ، وأضاعتهم الوقت في الخلافيات ، فيقول مخاطبا العلماء : «لو أن الشافعي وأبا حنيفة ومالكا وأحمد أحياء يرزقون لشددوا النكير عليكم وتبرأوا منكم فيما تفعلون» ثم يأتي إلى المفتين فيقول : «ومنهم طائفة تصلبت في أمر دينها ، فجزاها الله خيرا ، تنكر المنكر وتتشدد فيه ، وتأخذ بالأغلظ ، وتتوقى مظان التهم ، غير أنها تبالغ فلا تذكر لضعفة الايمان من الأمراء والعوام إلا أغلظ المذاهب ، فيؤدي ذلك إلى عدم انقيادهم وسرعة نفورهم. فمن حق هذه الطائفة