خير مبعوث لمصر بين أبناء البلاد الإسلامية عند البيت الحرام ، وتوفي في ١٥ فبراير سنة ١٩٤٧ ، ويقول عنه محمد فريد وجدي :
«كان الأستاذ الأكبر بشخصيته الممتازة ، وسعة أفقه الثقافي ، خير من يدرك آثار هذا العهد في حياة الأمم ، وأصلح من يوكل إليه أمر التوفيق بينهما لمصلحة الدين والدنيا معا ، فلا غرو إن ساور الهلع كل نفس تنتظر عهد الاستقرار والهدوء والتقدم ، لم أر فيمن قابلت من القادة والأعلين. أكرم خلقا في غير استكانة ، ولا أهدأ نفسا في غير وهن ، ولا أكثر بشاشة في غير رخوة ، من الشيخ مصطفى عبد الرازق ، وكل ذلك إلى حزم لا يعتوره لوث ، واحتياط لا يشوبه تنطع ، وأناة لا يفسدها فتور ، وإدمان على العمل ينسى معها نفسه ، وهي صفات كبار القادة ، وعلية المصلحين ، ممن خلقوا لمعالجة الشئون المعقدة ، وحسم المنازعات الشائكة ، والتوفيق بين المطالب المتنافرة ، وهذه مواقف كما تقتضي مضاء العزيمة ، تحتاج إلى هوادة الأناة ، وكما تستدعي سرعة البت ، لا بد لها من القدرة على إزالة الحوائل ، وقديما قالوا : رب عجلة أورثت ريثا ، ورب إقدام جر إلى نكوص ، فكان بما حباه بارئه من هذه المواهب النادرة ، كفاء المهمة التي وفق المسئولون في إسنادها إليه ، وكنت لا أشك في أنه بما جبل عليه من حب الإصلاح ، وما اتصف به من الصفات التي سردناها آنفا ، سيصل إلى حل مشكلة الأزهر حلا حاسما ، يعيش تحت نظامه آمنا شر العوادي ، وفي منجاة من عوامل القلق والاضطراب ، ذلك أنه بما تضلع من إلمام بنظم الجامعات ، وما حصل من علم بمقوماتها وحاجاتها ، لتمضيته في صميمها سنين طوالا من حياته طالبا ومدرسا ، يعرف من أسرار حياتها وبقائها وبواعث عللها وأعراضها ، ما لا يعلمه إلا الأقلون ، والأزهر لا يخرج عن جامعة قديمة في دور انتقال ، تتفاعل لتتناسب والعهد الذي تعيش فيه ، فهي في حاجة إلى أن تحصل على المقومات التي تؤاتيها بهذا التناسب ، وهو لا ينحصر في زيادة ميزانيتها ، ولا في تهذيب برامج دراستها ، ولكنه يتعداهما